التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب توريث دور مكة وبيعها

          ░44▒ بابُ تَوْرِيثِ دُورِ مَكَّةَ وَبَيْعِهَا وَشِرائِهَا، وَأَنَّ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ الحَرَامِ سَوَاءٌ خَاصَّةً لِقَوْلِهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِ} الآية [الحجّ:25]
          البَادِي: الطَّارِي، مَعْكُوفًا: مَحْبُوسًا.
          1588- ثُمَّ ذَكَرَ حديثَ ابنِ شهابٍ: عَنْ عَلِيِّ بنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ الله أَيْنَ تَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: (وَهَلْ تَرَكَ لَنا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ...) الحديثَ.
          أمَّا الآيةُ فخبرُ {إِنَّ} محذوفٌ، المعنى: هلكوا، أي: وعَنِ المسجد الحرام، واختُلِفَ في العاكِفِ والبادِي، فقالَ مجاهدٌ: العاكفُ النَّازلُ والبادي الجائي، وقال الحسنُ وعطاءٌ: العاكفُ: مَنْ كَانَ مِنْ أهلِ مكَّةَ، والبادي: مَنْ كَانَ بغيرها، قَالَ مجاهدٌ: أي هما في تعظيمِها وحرمتِها سواءٌ، وقال عطاءٌ: ليس أحدًا أحقُّ به مِنَ الآخَر، ونحوه عَنِ ابنِ عبَّاسٍ، وقيل: هما في إقامة المناسك سواءٌ، وقيل: لا فضل لأحدٍ عَلَى الآخر، وتأوَّله عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ عَلَى أنَّ بيوت مكَّةَ لا تُكرَى، ورُوِيَ عن عُمَرَ أنَّه كَانَ ينهى أن تُغلَقَ دُورُ مكَّةَ في زمن الحجِّ، وأنَّ النَّاس كانوا ينزلون منها حيث وَجَدُوه فارغًا، وقيل: إنَّ المراد بالآية المسجد الحرام خاصَّةً دون الدُّور لأنَّهم كانوا يمنعون منه، ويدَّعون أنَّهم أربابه.
          وأمَّا حديثُ أسامةَ فأخرجَه مسلمٌ أيضًا إلى قوله: ((وَكَانَ طَالِبٌ وَعَقِيلٌ كَافِرَين))، والباقي ممَّا زاده البُخاريُّ عليه، وفي موضعٍ آخرَ: ((لَا يَرِثُ المُسْلمُ الكَافِرَ ولَا الكَافِرُ المُسْلِمَ))، وفي روايةٍ لمسلمٍ: ((وذَلِكَ في حَجَّتِهِ حِينَ دَنَوا مِنْ مَكَّةَ))، وفي لفظٍ آخرَ له: ((وذَلِكَ زَمَنَ الفَتْحِ)).
          وقالَ البُخَارِيُّ: لم يقلْ يُونُسُ ((حَجَّتِهِ)) و((لَا زَمَنَ الفَتْحِ)) وهو ما ساقَه في الكتابِ مِنْ طريقِه، وقالَ الطَّرْقِيُّ: روايةُ الأكثرينَ مِنْ أصحابِ الزُّهْرِيِّ: ((زَمَنَ الفَتْحِ))، ويحتملُ كما قَالَ القُرْطُبيُّ تَكَرُّر السُّؤَال والجَوَاب، وفيه بُعْدٌ، وقد ترجمَ البُخَارِيُّ أيضًا، وأخرجَه مع البُخَارِيِّ مسلمٌ وأبو داودَ والنَّسَائيُّ وابنُ مَاجَهْ.