التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب تقليد الغنم

          ░110▒ بَابُ: تَقْلِيدِ الغَنَمِ.
          1701- ذَكَرَ فيه حديثَ عائشةَ قالتْ: (أَهْدَى النَّبِيُّ صلعم مَرَّةً غَنَمًا).
          1702- وحديثَها: (كُنْتُ أَفْتِلُ القَلائِدَ لِلنَّبِيِّ صلعم فَيُقَلِّدُ الغَنَمَ، ويُقِيمُ في أَهْلِهِ حَلالًا).
          1703- وحديثَها: (كُنْتُ أَفْتِلُ قَلائِدَ الغَنَمِ لِلنَّبِيِّ صلعم فَيَبْعَثُ بِهَا، ثمَّ يَمْكُثُ حَلالًا).
          1704- وحديثَها قالت: (فَتَلْتُ لِهَدْيِ النَّبِيِّ صلعم _تَعْنِي القَلائِدَ_ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ).
          هذهِ الأحاديثُ كلُّها في مسلمٍ أيضًا، وسلف بعضُها.
          واختَلف العلماءُ في تقليدِ الغنَمِ، فمَنْ رأى تقليدَها أَخذَ بهذهِ الأحاديثِ، وفي روايةٍ لمسلمٍ عنهَا ((فَقَلَّدَهَا)). وهو قولُ عَطاءٍ وبه يَقُولُ الشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ وابنُ حَبِيبٍ.
          وقال مَالِكٌ وأبو حنيفةَ: لا يُقلَّد، ولعلَّه لم يبلُغهُما الحديثُ، وعُلِّلَ بأنَّها تَضعُف عنِ التَّقليدِ.
          واستحَبَّ مَالِكٌ فتلَ القلائدِ بهذه الأحاديثِ، ولأنَّ ذلك إبقاءٌ لها على طولِ السَّفرِ والمدَّةِ، مَعَ تصَرُّفِ الهدايا في الرَّعي وغيرِه، ونقلَ أبو عُمرَ عن مَالِكٍ وأصحابِه أنَّه لا يُقلَّد، وقد علمتَ أنَّ ابنَ حَبِيبٍ مِنْ أصحابِ مالِكٍ خالَفَه.
          قال أبو عُمر: واحتَجَّ مَنْ لم يرَه بأنَّ الشَّارعَ إِنَّمَا حَجَّ حَجَّةً واحدةً لم يُهْدِ فيها غنمًا، وأنكَروا حديثَ الأسْودِ _أيِ الَّذِي في البخاريِّ_ في تقليدِ الغنمِ، قالوا: هو حديثٌ لا يعرِفه أهلُ بيتِ عائشةَ.
          وذَكَرَ المنذِرِيُّ أنَّ بعضَهم قال: إنَّ الأسْودَ تفرَّدَ به، قال: ولا يؤثِّرُ تفرُّدُه لأنَّه مِنَ الثِّقاتِ، وادَّعى صاحبُ «المبْسُوطِ» أنَّه أثرٌ شاذٌّ، وأستغفرُ الله مِنْ حكايتها، فهي أحاديثُ ثابتةٌ في «الصَّحيحينِ».
          ومِمَّنْ رأى تقليدَها ابنُ عَبَّاسٍ وأبو جَعْفَرٍ وعبدُ الله بنُ عُبيدِ بنِ عُمَيرٍ، ذكرها ابنُ أبي شَيبَةَ في «مُصنَّفِه»، وقال عن عَطاءٍ: رأيتُ أُناسًا مِنَ الصَّحَابَةِ يسوقون الغنمَ مقلَّدةً، والحقُّ أحقُّ بالاتِّباع، والسُّنَّةُ أَحْرى أنْ يُؤخذَ بها.