التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: أين يصلي الظهر يوم التروية؟

          ░83▒ بابُ أَيْنَ يُصَلِّي الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟
          1653- 1654- ذَكَرَ فيهِ حديثَ إسحاقَ الأَزْرَقَ حدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم، أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى، قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَبْطَحِ ثُمَّ قَالَ: افْعَل كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ.
          ثمَّ ساقه مِنْ حديث عليٍّ: سَمِعَ أَبَا بكرِ بنَ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ: لَقِيْتُ أَنَسًا وأَخبرني إِسْمَاعِيلُ بنُ أَبَانَ حدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى مِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَلَقَيْتُ أَنَسًا ذَاهِبًا عَلَى حِمَارٍ، فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صلعم هذا اليَوْمَ الظُّهْرَ؟ قَالَ: انظُرْ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَراؤُكَ فَصَلِّ.
          هذا الحديث أخرجَه مسلمٌ أيضًا إلى قولِه: (أُمَرَاؤُكَ) واستغربه التِّرْمِذيُّ مِنْ حديث الأَزرَقِ عَنِ الثَّوريِّ، وللحاكمِ مِنْ حديث ابنِ عبَّاسٍ: ((أنَّهُ ◙ صَلَّى خَمْسَ صَلَواتٍ بِمنًى)).
          وقال القاسمُ عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ: مِنَ السُّنَّةِ في الحجِّ أن يُصلِّيَ الإمام الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والصُّبح بمنًى ثُمَّ يغدوَ إلى عرفةَ، وفي مسلمٍ مِنْ حديث جابرٍ: ((أنَّهُ ◙ صَلَّى بها الخَمْسَ))، وقد أسلفنا قريبًا الخلاف في ذَلِكَ في الآثار وعندنا.
          وقال المُهَلَّبُ: النَّاس في سَعةٍ مِنْ هذا، يخرجون متى أحبُّوا ويصلُّون حيث أمكنهم، ولذلك قَالَ أنسٌ: (صَلِّ حَيْثُ يُصَلِّي أُمَرَاؤُكَ) والمستحبُّ مِنْ ذَلِكَ ما فعله الشَّارِعُ صلَّى الظُّهر والعصر بمنًى، وهو قولُ مالكٍ والثَّوريِّ وأبي حنيفةَ والشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي ثَورٍ.
          وقال ابنُ حَبِيبٍ: إذا مالَتِ الشَّمسُ يطوف سبعًا ويركع ويخرج، فإن خَرَجَ قَبْلُ فلا حرج، وعادة أهل مكَّة أن يخرجوا إلى مِنًى بعد صلاة العشاء، وكانت عائشةُ تخرج ثلثَ اللَّيل، وهذا يدلُّ عَلَى التَّوسعة، وكذلك المبيت عن منًى ليلة عرفةَ ليس فيه حرجٌ، إذا وافى عرفة الوقت الَّذي يجب، ولا فيه جبرٌ، كما يجبر ترك المبيت بها بعد الوقوف أيَّام رمي الجمار، وبه قَالَ مالكٌ وأبو حَنيفةَ والشَّافعيُّ وأبو ثَورٍ.
          والمستحبُّ في ذَلِكَ أن يُصلِّيَ الظُّهر والعصر بمنًى، وكذا المغرب والعشاء والصُّبح ثُمَّ يدفع بعد طلوع الشَّمس إلى نَمِرَةَ بقرب عرفاتٍ حَتَّى تزول الشَّمس، ثُمَّ يُصلِّي الظُّهر والعصرَ جمعًا، ثُمَّ يدفعون إلى الموقف فيدعو بجبال الرَّحمة إلى الغروب، فإذا غربت دفع مع الإمام فصلَّى المغرب والعشاء بالمُزْدَلفة جمعًا، ثُمَّ يبيت بها ويأخذ منها حصى جمرةِ العقبةِ فقط، ثُمَّ يُصلِّي الصُّبح بها مغلِّسًا، ثُمَّ يدفع إلى مِنًى لرمي جمرة العقبة، ثُمَّ يَحِلُّ له باثنين مِنْ أشياء ثلاثةٍ: الرَّميِ والحلقِ والطَّوافِ جميعُ المحرَّمات إلَّا النِّساء، وبالثَّالثِ: النِّسَاءُ وعند مالكٍ إلحاق الصَّيد والطِّيب بالنِّساء، ثُمَّ يرجع إلى مِنًى فيبيت بها، ويرمي أيَّام التَّشريق بعد الزَّوال، إلَّا أن يتعجَّل في يومين وقد تمَّ حجُّه.
          وكان منزله ◙ مِنْ مِنًى بالخَيفِ، وكره مالكٌ المُقام بمكَّة يوم / التَّروية حَتَّى يُمسي إلَّا أنْ يدركه وقت الجمعة قبل أن يخرج، فعليه أن يُصلِّيَ الجمعة إلَّا أن يكون مسافرًا فهو بالخيار، وأحبُّ أن يصلُّوا لفضيلة المسجد، قاله أصبغ، وقال محمَّدٌ: أحَبُّ إليَّ خروجُهم إلى منًى ليدركوا بها الظُّهر فما بعدها، وإنَّما تكلَّم مالكٌ عَلَى مَنْ لم يفعل حَتَّى أدركه الوقت.
          وكره مالكٌ أن يتقدَّم النَّاسُ إلى مِنًى قبل يوم التَّروية، وإلى عرفةَ قبل يوم عرفةَ، واختُلِفَ في تقدِمَةِ الأثقال فكرهه مالكٌ، كما يتقدَّم النَّاس ولأنَّه لا بدَّ أن يكون معها مَنْ يحفظها، وأجازه أشهبُ في «المجموعة».
          وقولُه: (فَلَقِيْتُ أَنَسًا فَقُلْتُ: أَيْنَ صَلَّى النَّبِيُّ صلعم هذا اليَوْمَ الظُّهْرَ؟) قَالَ الدَّاوُديُّ: هو وهْمٌ وإنَّما سأله عن صلاة العصر يوم النَّفْر فأخبره: أنَّه صلَّى بالأبطح.
          وقوله: (ثُمَّ قَالَ: افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ) يعني: أنَّهم لا ينزلون بالأبطح وليس مِنْ فروضه، واستحبَّ مالكٌ لِمَنْ يُقتَدى أن لا يتركَ النُّزولَ به.