التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فتل القلائد للبدن والبقر

          ░107▒ باب: فَتْلِ القَلَائِدِ لِلبُدْنِ والْبَقَرِ.
          1697- 1698- ذَكَرَ فيه حديثَ حفصةَ قالتْ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا ولَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ؟ قال: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وقَلَّدْتُ هَدْيِي، فَلا أَحِلُّ حتَّى أَحِلَّ مِنَ الحَجِّ).
          وحديثِ عائشةَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلعم يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ، فَأَفْتِلُ قَلائِدَ هَدْيِهِ، ثمَّ لا يَجْتَنِبُ شَيئًا مِمَّا يَجْتَنِبُ المُحْرِمُ).
          هذان الحديثان أخرجهما مسلمٌ أيضًا.
          وفيه مِنَ الفقه: أنَّ ما عُمل لله مِنَ الأعمال فإنَّه يجبُ إتقانُها وتحسينُها، ألا تَرى عائشةَ لم تقنَعْ بالقلائد إلَّا بفتلِها وإحكامِها.
          وأجمعَ العلماءُ على تقليدِ الهدْي، وهو علامةٌ له، كَأَنَّه إشهادٌ على أنَّه أخرجَه مِنْ مِلْكِه لله تعالى، ولِيعلمَ الناسُ الَّذِين يبتغون أكلَه، فيشهدون نحرَه.
          وفيه: عملُ أمَّهاتِ المؤمنين بأيديهنَّ، وخدمتهُنَّ في بيوتهنَّ، وقد كَانَ ◙ يخدمُ في بيته.
          وفقهُهُ سلف في البابِ قبلَه [خ¦1696]، وهذه فوائدُ نعطِفها على البابِ الأوَّلِ:
          الأُولى: قوله: (كَانَ ابنُ عُمَرَ إِذَا أَهْدَى مِنَ المَدِينَةِ) يقتَضي أنَّ الهدْي قدْ يُسَاقَ مِنَ الموضِع البعيد إذا كَانَ يُؤمَنُ عليه في مِثْلِ تلك المسافةِ، والبَقَر أضعَف مِنْ ذلك فلا تُهدى إلَّا مِنَ المسافةِ الَّتِي يَسلَم فيها مِثلُها، وأَمَّا الغَنمُ فروى مُحمَّدٌ والعُتْبيُّ عن مَالِكٍ: لا تُسَاقَ إلَّا مِنْ عَرَفَة أو ما قَرُب، وهذا لأنها تَضعُف عن قطْعِ طويلِ المسافةِ.
          وقوله: (قَلَّدَهُ وأَشْعَرَهُ بِذِي الحُلَيفَةِ) يريدُ لأنَّها موضعُ إحرامِه لا الجُحْفَة، ورُوِيَ عن مَالِكٍ أنَّ ذلك لا بأسَ به، والسُّنَّةُ اتِّصالُ ذلك كلِّه يُقلِّده ثمَّ يُشعِره، ثمَّ يجلِّله إنْ شاءَ، ثمَّ يركعُ ثمَّ يُحرِم، ودليلُ ذلك حديثُ المِسْورِ ومَروانَ في الكتابِ.
          الثَّانِيةُ: قوله في حديثِ المِسْورِ ومروانَ: (قَلَّدَ النَّبِيُّ صلعم الهَدْيَ وأَشْعَرَهُ) وكذا حديثُ عائشةَ (ثُمَّ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا) يقتضِي مباشرَتَه ذلك بنفسِه، وهو أفضلُ مِنَ الاستنابَةِ كذَبْحِ الأُضْحِيَّةِ.
          واختَلَف في المرأةِ مالكٌ وابنُ شِهَابٍ، فقال ابنُ شِهَابٍ: تَلي ذلك بنفسِها، وأنكَرَهَ مَالِكٌ قال: ولا تفعلُ ذلك إلَّا ألَّا تَجدَ مَنْ يَلي ذلك لأنَّه لا يَفعلُه إلَّا مَنْ ينحَرُ.
          الثَّالثةُ: يَقُولُ عندَ شُروعِه في الإشعارِ: ((بِاسْمِ اللهِ، واللهُ أَكْبَرُ)) رَواهُ مَالِكٌ في «مُوطَّئِه» عَنِ ابنِ عمر.