التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلًا

          ░130▒ بَابُ: إِذَا رَمَى بَعْدَمَا أَمْسَى، أَو حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ، نَاسِيًا أَو جَاهِلًا.
          1734- 1735- ذَكَرَ فيه حديثَ ابن عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قِيلَ لَهُ في الذَّبْحِ، والحَلْقِ، والرَّمْيِ، والتَّقْدِيمِ، والتَّأْخِيرِ فَقال: (لَا حَرَجَ).
          وحديثَه أيضًا: كَانَ النَّبِيُّ صلعم يُسْأَلُ يوم النَّحْرِ بِمِنًى، فَيَقُولُ: (لَا حَرَجَ)، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقال: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قال: (اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ) قال: رَمَيتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيتُ، فَقال: (لَا حَرَجَ).
          وقد سلفت طُرقه قريبًا في باب: الذَّبح قبل الحلق [خ¦1721]، وقد قام الإجماع على أنَّ الاختيار في رمي جَمْرَةَ العَقَبَةِ يوم النَّحْرِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْس إلى زوالها، وأنَّه إنْ رمى قبل غروب يومِه أجزأ عنهُ إلَّا مالك فإنَّه يَستحبُّ له أن يُهَريق دمًا يجيء به مِنَ الحِلِّ.
          واختلفوا فيمَنْ رمى ليلًا أو مِنَ الغدِ فقال مَالِكٌ: عليه دمٌ، وهو قول عطاءٍ والثَّورِيِّ وإسحاق، وقال مَالِكٌ في «الموطَّأ»: مَنْ نسي جمرةً مِنَ الجِمار أيَّام التَّشريق حتَّى يُمسيَ يرميها أيَّةَ ساعةٍ شاء مِنْ ليلٍ أو نهار ما دام بمِنًى، كما يصلِّي الصَّلَاة أيَّةَ ساعةٍ ذكرها مِنْ ليلٍ أو نهارٍ، ولم يَذكُر دمًا.
          وذكَر عنهُ ابن القَاسِم: أنَّه كَانَ يرى مرَّةً عليه الدَّم ومرَّةً لا، قال: وقد تأخَّرت صفيَّةُ امرأةُ ابنِ عمر على ابنة أخيها حتَّى أتت مِنًى بعدما غابت الشَّمْس فرمت، ولم يبلُغْنا أنَّ ابن عمر أمرها بشيءٍ.
          وقال أبو حنيفةَ: إنْ رماها ليلًا فلا شيءَ عليه، وإنْ أخَّرها إلى الغد فعليه دمٌ، وقال صاحباه والشَّافعيُّ وأبو ثورٍ: لا شيءَ عليه وإنْ أخَّرها إلى الغد.
          وقال الثَّورِيُّ: إنْ أخَّرها عامدًا إلى اللَّيل فعليه دمٌ، وقال أبو حنيفةَ وإسحاق فيما حَكَاهُ ابنُ قُدامةَ: إنَّه إذا أخَّرها إلى اللَّيل لا يرميها حتَّى تزول الشَّمْس مِنَ الغد، وعَنِ الشَّافعيِّ والصَّاحبين وابن المنذِرِ: يرمي ليلًا لقوله: (وَلَا حَرَجَ).
          وقال ابن عمر: إنْ فاته الرَّمي حتَّى تغيب الشَّمْس فلا يرمِ حتَّى تزول الشَّمْس مِنَ الغد، واحتجُّوا بحديث الباب (لا حَرَجَ) للَّذي قال: (رَمَيتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيتُ) وأيضًا فإنَّه ◙ رخَّص لرِعاء الإِبِل في مثله، يرعون نهارًا ويرمون ليلًا، وما كَانَ ليرخِّص لهم فيما لا يجوز، وحُجَّةُ مالك أنَّه ◙ وقَّت لها وقتًا وهو يوم النَّحْرِ فمَنْ رمى بعد غروبه فقد رمى بعد وقتها، ومَنْ فعل في الحجِّ شيئًا بعد وقته فعليه دمٌ، وقدْ أسلفنا الاختلاف في رمي جَمْرَة العَقَبَةِ قبل طلوع الفجر أو الشَّمْس مِنْ يَومِ النَّحْرِ لأهل العذر وغيرِهم في باب: مَنْ قدَّم ضَعَفَةَ أهْلِه باللَّيل [خ¦1676] إلى [خ¦1680]، فراجعه.
          وقوله: (ارمِ وَلَا حَرَجَ) إِنَّمَا كَانَ بالنَّهار لأنَّ السُّؤال كَانَ يوم النَّحْرِ، ولا يكون اليومُ إلَّا قبلَ المغيب، كذا قاله ابن قُدامةَ، ونقل ابنُ دِحْيةَ في «المولَّد» عن بعض المتكلِّمين أنَّ اليوم يجمعُ النَّهارَ واللَّيل.
          وأمَّا قول البخاريِّ: (نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا) فإنَّ العلماء لم يُفرِّقوا بين العامد والجاهل في أمور الحجِّ، وقد سلف الاختلافُ فيمَنْ حلق قبل الذَّبح في باب: الذَّبح قبل الحلق [خ¦1721]، فراجعه.
          والمراد هنا بالمساء: ما بعد الزَّوال، لأنَّه لغةُ العرب، يُسمُّون ما بعده مساءً وعِشاءً ورَواحًا، رَوى مَالِكٌ عن رَبِيعَة عن القَاسِم بن محمَّدٍ أنَّه قال: ما أدركت النَّاس إلَّا وهم يصلُّون الظُّهر بعَشِيٍّ، وإِنَّمَا يريد تأخيرَها إلى رُبع القامة، ويتمكَّن الوقت في شدَّة الحرِّ وهو وقت الإبراد الَّذِي أمر به الشَّارع.