التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة

          ░70▒ بابُ مَنْ لَمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ، وَلَمْ يَطُفْ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَةَ، وَيَرْجِعَ بَعْدَ الطَّوَافِ الأَوَّلِ
          1625- ذَكَرَ فيهِ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ: قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلعم مَكَّةَ، فَطَافَ سبعًا وَسَعَى بينَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَلَمْ يَقْرَبِ الكَعْبَةَ بَعْدَ طَوَافِهِ بِهَا حَتَّى رَجَعَ مِنْ عَرَفَةَ.
          هذا الحديث مِنْ أفراده، ومعنى التَّرجمة: مَنْ لم يطف طوافًا آخرَ غير طواف القدوم، لأنَّه إذا فعله ليس بين يديه طوافٌ غير الإفاضة والوداع، فإذا وقف ومضى نصفُ ليلة النَّحر دخل وقتُ أسباب التَّحلُّل، ومنها طواف الإفاضة، وهو معنى حديث الباب، وهو اختيار مالكٍ ألَّا يتنفَّلَ بطوافٍ بعدَ طوافِ القدومِ حَتَّى يتمَّ حَجَّه، وقد جعل اللهُ له في ذَلِكَ سعةً، فمَنْ أراد أن يطوف بعد طواف القدوم فله ذَلِكَ ليلًا كَانَ أو نهارًا، لا سيَّما إن كَانَ مِنْ أقاصي البلدان، ولا عهد له بالطَّواف، وقد قَالَ مالكٌ: الطَّوافُ بالبيتِ أفضلُ مِنَ النَّافلةِ لِمَنْ كَانَ مِنَ البلاد البعيدة لقلَّة وجود السَّبيل إلى البيت.
          ورُوِيَ عن عطاءٍ والحسنِ: إذا أقام الغريب بمكَّة أربعين يومًا كانت الصَّلاة له أفضلَ مِنَ الطَّواف، وقال أنسٌ: الصَّلاةُ للغرباءِ أفضلُ، وقال الماوَرْدِيُّ: الطَّوافُ أفضلُ مِنَ الصَّلاةِ، وظاهر كلام غيره أنَّ الصَّلاةَ أفضلُ، وقال ابنُ عبَّاسٍ وغيرُه: الصَّلاةُ لأهل مكَّةَ أفضلُ / والطَّوافُ للغرباءِ أفضلُ.
          وأمَّا الاعتمارُ أو الطَّوافُ أيُّهما أفضلُ؟ فحكى بعضُ المتأخِّرين هنا ثلاثة أوجهٍ: ثالثُها: إن استغرقَ الطَّوافُ وقت العُمْرَةِ كَانَ أفضل، وإلَّا فهي أفضل، وادَّعى الدَّاوُدِيُّ: أنَّ الطَّوافَ الَّذي طافه ◙ حين قَدِمَ مكَّةَ مِنْ فروض الحجِّ، ولا يكون إلَّا السَّعي بعده، إلَّا أنَّه يجوز للمراهقِ والمتمتِّعِ أن يجعلا مكانه طواف الإفاضة، وما قاله غير صحيحٍ، فإنَّه ◙ كَانَ عندنا مُفرِدًا، والمفرِد لا يجب طواف القدوم عليه، بل لا يجب أصلًا، فمَنْ لم يكن مراهقًا طاف لقدومه، ومَنْ كَانَ مراهقًا سقط عنه عند المالكيَّة، وأجزأه طواف الإفاضة والسَّعي بعده، قالوا: وإن لم يكن مراهقًا ولم يَطُفْ ولم يَسْعَ عند قدومه طاف للإفاضة، وأجزأه ذَلِكَ مِنَ الطَّوافين ويُهدي، وبئس ما صنع، ولو كَانَ مِنْ فروض الحجِّ ما أجزأ الهدي عنه.