التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من صلى ركعتي الطواف خارجًا من المسجد

          ░71▒ بابُ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ خَارِجًا مِنَ المَسْجِدِ
          وَصَلَّى عُمَرُ ☺ خَارِجًا مِنَ الحَرَمِ
          1626- ذَكَرَ فيهِ حديثَ أُمِّ سَلَمَةَ: في طوافِها راكبةً وهي شاكيةٌ، وقد سلف [خ¦464]، وانفردَ به مِنْ حديث عُرْوَةَ عنها، قَالَ أبو نُعَيمٍ: حديثٌ عزيزٌ جدًّا، وأخرجه مسلمٌ وغيرُه مِنْ طريق زينبَ بنتِها عنها.
          ويحيى بنُ أبي زكريَّا الغَسَّانيُّ: هو بغينٍ معجمةٍ ثُمَّ سينٍ مهملةٍ ثُمَّ ألفٍ ثُمَّ نونٍ ثُمَّ ياء النَّسب، ضعَّفَه أبو داودَ، قال أبو عليٍّ الجَيَّانيُّ: وقع لأبي الحسنِ القابسيِّ في إسناد هذا الحديث تصحيفٌ في نسب يحيى بنِ أبي زكريَّا، قال: العُشَّانيُّ بعينٍ مهملةٍ مضمومةٍ ثُمَّ شينٍ معجمةٍ، والصَّواب: الغَسَّانيُّ بسينٍ مهملةٍ وغينٍ معجمةٍ، وقال فيه في موضعٍ آخرَ: العثمانيُّ، والصَّواب ما قلناه، وقيل: العُشَّاييُّ _بالياء_ منسوبٌ إلى بني عُشَاةٍ، حكاه ابنُ التِّيْنِ.
          قَالَ الدَّارَقُطْنيُّ في كتاب «التَّتبع»: هذا الحديث مرسلٌ أعني طريقَ عُرْوَةَ عنها، وقد رواه حفصُ بنُ غياثٍ عن هشامٍ عن أبيه عن زينبَ عن أمِّ سَلَمَةَ، ووصله مالكٌ عن أبي الأسودِ، وقال الغَسَّانيُّ: هكذا رواه أبو عليِّ بنِ السَّكَنِ عَنِ الفَرَبْريِّ مرسلًا، لم يذكر بينَ عُرْوَةَ وأمِّ سَلَمَةَ زينبَ، وكذا هو في نسخة عَبْدُوسٍ الطُّلَيطُليِّ عن أبي زيدٍ المَرْوَزِيِّ، ووقعَ في نسخةِ الأَصيليِّ: <عُرْوَةُ عَن زَيْنبَ عَنْهَا> متَّصلًا، ورواية ابنِ السَّكَنِ المرسلةُ أصحُّ في هذا الإسنادِ، وهو المحفوظُ.
          قُلْتُ: وسماعُ عُرْوَةَ لأمِّ سَلَمَةَ ممكنٌ لأنَّ مولده سنة ثلاثٍ وعشرين ووفاتها قرب السِّتِّين، وهو قَطِيْنُ بلدِها، فيجوز أن يكون سَمِعَه مرَّةً عن زينبَ عنها ومرَّةً عنها، يؤيِّده أنَّه روى البُخاريُّ: أخبرتني أمُّ سَلَمَةَ، كما ستعلمه.
          وقال الأثرمُ: قَالَ لي أبو عبدِ اللهِ: حَدَّثَنَا معاويةُ عن هشامٍ عن أبيه عن زينبَ عن أمِّ سَلَمَةَ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم أَمَرَها أَنْ تُوافيَه يَومَ النَّحرِ بمكَّةَ))، قَالَ: لم يُسنده غيره وهو خطأٌ، وقال وكيعٌ: عن أبيه مرسلٌ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم أَمَرَها أَنْ تُوافيَه صَلاةَ الصُّبْحِ يَومَ النَّحرِ بمكَّةَ))، أو نحو هذا قَالَ: وهذا أيضًا عجيبٌ، النَّبِيُّ يَومَ النَّحرِ ما يصنعُ بمكَّةَ؟! يُنكِرُ ذَلِكَ قَالَ: فجِئْتُ إلى يحيى بنِ سعيدٍ فسَأَلْتُه فقالَ: عن هشامٍ عن أبيه: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم أَمَرَها أن تُوافِيَ))، ليس ((توافيه))، قَالَ: وبين هذين فرقٌ، ((يوم النَّحرِ صَلَاة الفَجْرِ بالأَبْطحِ))، قَالَ: وقالَ لي يحيى: سُئِلَ عبدُ الرَّحمنِ، فسألَه فقال: هكذا ((تُوافِيَ)). قَالَ الخلَّالُ: سهى الأثرمُ في حكايتِه عن وكيعٍ: ((تُوافيه))، وإنَّما قَالَ وكيعٌ: ((تُوَافِيَ بمِنًى)) وأصابَ في قولِه: ((تُوَافِيَ)) كما قَالَ أصحابُه، وأخطأَ وكيعٌ أيضًا في قولِه: ((بمنًى)).
          أخبرَنا عليُّ بنُ حربٍ: حدَّثَنَا هارونُ بنُ عِمْرَانَ عن سليمانَ بنِ أبي داودَ عن هشامٍ عن أبيه قَالَ: أخبرتني أمُّ سَلَمَةَ قالَتْ: ((قدَّمني النَّبِيُّ صلعم فِيمَن قَدَّمَ مِنْ أهلِ مكَّةَ لَيْلةَ المُزْدَلِفة، قالَتْ: فَرَمَيْتُ بليلٍ، ومَضَيْتُ إلى مكَّةَ فصَلَّيْتُ بِهَا الصُّبحَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلى مِنًى))، وهذا الحديث صحَّحَه الحاكمُ على شرط الشَّيخين مِنْ حديث عُرْوَةَ عن عائشةَ قالَتْ: أرسلَ النَّبيُّ صلعم بأمِّ سَلَمَةَ ليلةَ النَّحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثُمَّ مَضَتْ فأفاضَتْ، فكان ذَلِكَ اليوم الثَّاني الَّذي يكون عندها رَسُولُ اللهِ صلعم.
          وأمَّا أثر عُمَرَ: فأخرجَه البَيْهَقيُّ مِنْ حديث ابن بُكَيرٍ: حدَّثَنَا مالكٌ عَنِ ابنِ شهابٍ عن حُمَيدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ: أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عبدٍ القاريَّ أخبره أنَّه طافَ مع عُمَرَ بنِ الخطَّابِ بعد صلاة الصُّبح بالكعبة، فلمَّا قضى طوافه نظر فلم يرَ الشَّمس، فركب حَتَّى أناخ بذي طوًى، فسبَّح ركعتين.
          وأخرجه ابنُ أبي شَيبَةَ: حَدَّثَنَا عليُّ بنُ مُسْهِرٍ حدَّثَنَا ابنُ أبي ليلى عن عطاءٍ قَالَ: طاف عُمَرُ بعد الفجر، وفيه: فلمَّا طلعت الشَّمس وارتفعت صلَّى ركعتين، ثُمَّ قَالَ: ركعتان مكان ركعتين.
          قَالَ ابنُ المُنْذِرِ: اختلفوا فيمَنْ نسي ركعتي الطَّواف حَتَّى خرجَ مِنَ الحرم أو رجع إلى بلاده، فقال عطاءٌ والحسنُ البصريُّ: يركعهما حيثما ذكر مِنْ حلٍّ أو حرمٍ، وبهذا قَالَ أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ، وهو موافقٌ لحديث أمِّ سَلَمَةَ، لأنَّه ليس في الحديث أنَّها جَعَلَتْهما في الحلِّ أو في الحرمِ، وقال الثَّوريُّ: يركعهما حيث شاء ما لم يخرج مِنَ الحرمِ.
          وقال في «المدوَّنة»: مَنْ طاف في غير إبَّان صلاةٍ أخَّرَ الرَّكعتين، وإن خرج إلى الحلِّ ركعهما فيه ويجزئانه ما لم ينتقض وضوءُه، وإن انتقض قبل أن يركعهما فكان طوافه ذَلِكَ واجبًا، فابتدأ الطَّواف بالبيت وركع، لأنَّ الرَّكعتين مِنَ الطَّواف يوصلان به، إلَّا أن يتباعد فليركعْهما ويهدي ولا يرجع.
          قَالَ ابنُ المُنْذِرِ: ليس ذَلِكَ أكثر مِنْ صلاة المكتوبة، وليس عَلَى مَنْ تركهما إلَّا قضاؤهما حيث ذكرهما.