التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة

          ░86▒ بابُ التَّلْبِيَةِ وَالتَّكْبِيِر إِذَا غَدَا مِنْ مِنًى إلى عَرَفَةَ
          1659- ذَكَرَ فيهِ حديثَ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي بكرٍ الثَّقَفِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ أنسًا وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلى عَرَفَةَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هذا اليَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم؟ قَالَ: كَانَ يُهِلُّ مِنَّا المُهِلُّ فَلا يُنْكِرُ عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ المُكَبِّرُ مِنَّا فَلا يُنْكِرُ عَلَيْهِ.
          هذا الحديثُ سَلَفَ في العيد [خ¦970]، وفي الحديثِ ابتداءُ قطعِ التَّلبِيَةِ مِنَ الغدوِّ مِنْ مِنًى، وآخرُها رمي جمرة العقبة في حديثِ الفَضْلِ وأسامةَ بنِ زيدٍ وابنِ مسعودٍ عن رَسُولِ اللهِ صلعم، والَّذي مضى عليه جمهورُ العلماءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وأهلِ المدينةِ اختيارُ قطعِها عندَ الرَّوَاحِ إلى عرفةَ، كما حكاه ابنُ أبي صُفْرَةَ لأنَّهم فهموا أنَّ تعجيلَ قطعِها وتأخيرَها على الإباحةِ، يدلُّ عَلَى ذَلِكَ تركُ إنكارِ بعضِهم عَلَى بعضٍ، وهم فهموا السُّنَنَ وتلقَّوها، فوجبَ الاقتداءُ بهم في اختيارِهم لأنَّا أُمِرْنا باتِّباعِهم.
          وقالَ الطَّحَاوِيُّ: لا حُجَّةَ لكم في هذا الحديثِ لأنَّ بعضَهم كَانَ يُهِلُّ وبعضَهم كَانَ يُكَبِّرُ، ولا يمنعُ أن يكونوا فَعَلُوا ذَلِكَ ولهم أن يُلَبُّوا لأنَّ الحاجَّ فيما قَبْلَ يومِ عرفةَ له أن يُكَبِّرَ وله أن يُهِلَّ، وله أن يُلَبِّيَ فلم يكن تكبيره وإهلاله يمنعانه مِنَ التَّلبِيَةِ.
          وقالَ المُهَلَّبُ: وجه قطعِ التَّلبِيَةِ عندَ الرَّوَاحِ إلى الموقفِ مِنْ يومِ عرفةَ لأنَّه آخرُ السَّفَرِ، وإليه منتهى الحاجِّ، وما بعد ذَلِكَ فهو رجوعٌ فالتَّكبِيرُ فيه أَوْلَى، لقولِه تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا} إلى قوله: {فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ} [البقرة:198- 200]، وقالَ: {لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة:185]، فدلَّ هذا عَلَى أنَّ التَّكبِيرَ والدُّعَاءَ للهِ عندَ المشعرِ الحرامِ وأيَّامَ منًى أولى مِنَ التَّلبِيَةِ لأنَّ معناها الإجابة، وإذا بلغَ موضعَ النِّدَاءِ قطعَ التَّلبِيَةَ وأخذَ في الدُّعَاءِ، وسأل حاجاتِه، وسيأتي اختلافهم في قطعِ التَّلبِيَةِ في حديثِ الفَضْلِ وأسامةَ بعد هذا قريبًا [خ¦1543] [خ¦1544]، والحديثُ دالٌّ عَلَى إباحةِ التَّهلِيلِ والتَّكبِيرِ، ورواه مُحَمَّدٌ عن مالكٍ، واحتجَّ بهذا قَالَ: كَانَ القومُ يكبِّرون ويلبُّون.
          فائدةٌ: الغدوُّ: السَّيرُ غُدْوَةً، وهو السُّنَّةُ أن يسيرَ إذا طلعتِ الشَّمْسُ كما أسلفناه، واستثنى مالكٌ مَنْ كَانَ ضعيفًا أو بدابَّتِه عِلَّةٌ، فلا بأسَ أن يغدوَ قبلَ طلوعِها، قَالَ: ويُكرَهُ أن يمرَّ إلى عرفةَ مِنْ غيرِ طريقِ المَأْزِمَين، فإنْ مرَّ عَلَى غيرِه فلا شيء عليه.