التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الإهلال مستقبل القبلة

          ░29▒ بابُ الإِهْلاَلِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ
          1553- 1554- سَلَفَ أيضًا حديثُه المعلَّقُ والمسندُ هناك [خ¦491].
          والتَّعليقُ الَّذي عَلَّقَه عن شيخِه أبي مَعْمَرٍ _عبدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ أبي الحجَّاجِ المِنْقَرِيِّ المقعدِ_ حَدَّثَنَا عبدُ الوارث _هو ابنُ سعيدٍ والدُ عبدِ الصَّمَدِ_ حدَّثنا أيُّوبُ عن نافعٍ، فذكره، وصله أبو نُعَيْمٍ في «مستخرجِه»: حَدَّثَنَا إسحاقُ بنُ حمزةَ حَدَّثَني أبو القاسمِ بنُ عبدِ الكريمِ حدَّثنا عبَّاسٌ الدُّورِيُّ حدَّثنا أبو مَعمرٍ فذكره، ووصلَه أيضًا ابنُ خُزَيمَةَ في «صحيحِه»: حَدَّثَنَا عبدُ الوارثِ بنُ عبدِ الصَّمَدِ حدَّثنا أبي عن أبيه عن أيُّوبَ، فذكره، ووصلَه الإسماعيليُّ أيضًا مِنْ طريقِ ابنِ خُزَيمَةَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أبي حامدٍ النَّيْسابُوريُّ أخبرنا ابنُ خُزَيمَةَ والبَيْهَقيُّ عن أبي عبدِ اللهِ عن أبي أحمدَ الحاكمِ عن أبي بكرِ بنِ خُزَيمَةَ. وعبدُ الوارثِ هذا مِنْ أفرادِ مسلمٍ جدُّ ابنِ سعيدٍ السَّالفِ المتَّفق عليه، وأخرجَه مسلمٌ عن أبي الرَّبِيعِ عن حمَّادٍ عن أيُّوبَ.
          وقوله: (تَابَعَهُ إِسْمَاعِيلُ عَنْ أيُّوبَ فِي الغُسْلِ) أسنده في بابِ الاغتسالِ عند دخولِ مَكَّةَ: حَدَّثَنَا يعقوبُ بنُ إبراهيمَ حدَّثنا ابنُ عُليَّةَ حدَّثنا أيُّوبُ، فذكره كما سيأتي [خ¦1573].
          ولَمَّا ذكرَ الحاكمُ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ: ((اغتسلَ رَسُولُ الله صلعم ثُمَّ لَبِس ثِيَابهُ فَلَمَّا أَتَى ذا الحُلَيفَةَ صَلَّى رَكْعَتَينِ، ثُمَّ قَعَد عَلَى بعيرِه، فلمَّا استوى بهِ عَلَى البيداءِ أَحْرَمَ بالحجِّ))، وقالَ: صحيح الإسناد، قَالَ: وله شاهدٌ عَلَى شرطهما عَنِ ابنِ عُمَرَ: ((مِنَ السُّنَّةِ أنْ يغتسلَ إذا أرادَ أن يُحرِمَ، وإذا أرادَ أن يَدْخُلَ مَكَّةَ)).
          وأمَّا حديثه الثَّاني المسند فليس فيه استقبال القبلة عند الإهلال، نعم هو في الأوَّل، وإنَّما استقبلَها لاستقبالِ دعوة إبراهيمَ لمكَّةَ، فلذلك يُلبِّي الدَّاعي أبدًا بعد أن يستقبلَ بالوجه لأنَّه لا يصلح أن يولِّيَ المجيب ظهرَه مَنْ يَدْعُوه ثُمَّ يلبِّيه بل يستقبله بالتَّلْبيةِ في موضعِه الَّذي دعا منه، ويلبِّيه إذا ركبَ راحلتَه إرادَته إجابة {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحجّ:27].
          وقولُه: (فَرُحِلَتْ) هو مخفَّفُ الحاءِ لأنَّه ثلاثيٌّ.
          وقوله: (ثُمَّ يُلَبِّي حَتَّى يَبْلُغَ الحَرَمَ) معلومٌ مِنْ مذهبه أنَّه كَانَ لا يلبِّي في طوافه، وقد كرهها مالكٌ فيه، كذا نقله عَنِ ابنِ عُمَرَ ابنُ بَطَّالٍ، وفيه نظرٌ يأتي، قَالَ ابنُ عُيَينَةَ: ما رأيْتُ أحدًا يُقتَدَى به يلبِّي حولَ البيتِ إلَّا عطاء بن السَّائب، وسيأتي مَنْ أجازه ومَنْ كرهه في بابِ الاغتسالِ عندَ دخولِ مَكَّةَ إن شاء الله [خ¦1573]، وإنَّما كَانَ يدَّهنُ بغيرِ الطِّيبِ ليمنعَ بذلك القملَ والدَّوابَّ.
          وقولُه: (كَانَ ابنُ عُمَرَ إِذَا صَلَّى الغَدَاةَ _يعني الصُّبْحَ_ بذي الحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ فَرُحِلَتْ ثُمَّ رَكِبَ، فَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ قَائِمًا، ثُمَّ يُلَبِّي) قَالَ الداوديُّ: يحتمل أن يكون في الكلام تقديمٌ وتأخيرٌ، أي: يأمر بها ثُمَّ يصلِّي ثُمَّ يركب، وإن كَانَ هذا محفوظًا فلقرب ذَلِكَ مِنَ الصَّلاةِ، وإنَّما قَالَ ذَلِكَ لما سلف عن بعضِهم أنَّه يُستحبُّ الإحرام عقب الصَّلاةِ.
          وفيه: استقبالُ القبلة عند الإهلال لأنَّها أشرف الجهات.
          وقوله: (قَائِمًا) يعني: إذا وقفت به راحلته ومبيت ابنِ عُمَرَ بذي طُوًى للاتِّباع كما سيأتي [خ¦1573]، وهو رَبَضٌ مِنْ أرباضِ مَكَّةَ، وطَاؤُه مثلَّثةٌ مع الصَّرفِ وعدمِه والمدِّ أيضًا، قَالَ البكريُّ: وادٍ بمكَّةَ، وعند السُّهَيليِّ: في أسفلِها، وذُوْ طِوَاء ممدودٌ موضعٌ بطريقِ الطَّائفِ، وقيل: وادٍ.
          ودخولُ مَكَّةَ نهارًا أفضلُ وقيل: اللَّيل والنَّهار سواءٌ، فقد دَخَلَها ◙ في عُمْرَةِ الجِعِرَّانَةِ ليلًا، وهو المذكور في «الهداية».
          وهذا الغُسْلُ لدخولِ مَكَّةَ سُنَّةٌ، فإن عجزَ عنه تَيَمَّمَ، يستوي فيه الحائضُ والنُّفَسَاءُ والصَّبيُّ وقد أسلفنا كلامَ ابنِ حَزْمٍ فيه قَالَ: لا يلزم الغسل فرضًا في الحجِّ إلَّا المرأة تهلُّ بعمرةٍ تريد التَّمتُّع فتحيض قبل الطَّواف بالبيت، فهذه تغتسل ولا بدَّ، والمرأة تلد قبل أن تهلَّ بعُمْرةٍ أو بالقِران، ففرضٌ عليها أن تغتسلَ وتُهِلَّ، وقال في الطَّهارة: الحيضُ والنِّفَاسُ شيءٌ واحدٌ، وحكمٌ واحدٌ، فأيُّهما أرادَتِ الحجَّ أو العُمْرَةَ ففرضٌ عليها أن تغتسلَ.
          قَالَ صاحبُ «الاستذكارِ»: ولا أعلم أحدًا مِنَ المتقدِّمين أوجبه _يعني الغُسْلَ للإحرامِ_ إلَّا الحسن، وقد رُوِيَ عن عِكرِمَةَ إيجابُه كقولِ أهلِ الظَّاهرِ، ورُوِيَ عنه أنَّ الوضوء يكفي منه، وهو سُنَّةٌ مؤكَّدَةٌ عندَ مالكٍ وأصحابِه ولا يرخِّصون في تركِه إلَّا مِنْ عذرٍ، وعن عبدِ الملكِ هو لازمٌ إلَّا أنَّه ليسَ في تركِه ناسيًا ولا عامدًا دمٌ ولا فديةٌ.
          وقال ابنُ خُوَيْزِمَنْدَادَ: / هو عندَ مالكٍ آكدُ مِنْ غُسْلِ الجمعةِ، وقال أبو حنيفةَ والثَّوريُّ والأوزاعيُّ: يجزئُه الوضوء، وهو قولُ إبراهيمَ، وهذا أوَّلُ أغسالِ الحجِّ بعدَ الإحرامِ، وبعده الوقوف بعرفةَ ومُزْدَلِفَةَ غداةَ النَّحْرِ وأيَّام التَّشريق للرَّمي، واستحبَّه الشَّافعيُّ في القديم في الطَّواف.َ
          وقولُه: (حَتَّى يَبْلُغَ الحَرَمَ، ثُمَّ يُمْسِكُ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذَا طُوًى بَاتَ بِهِ) أي: يتابعُ إهلالَه في أكثرِ أوقاتِه إلى أن يبلغَه.
          وقولُه: (ثُمَّ يُمْسِكُ) قَالَ ابنُ التِّيْنِ: لعلَّ معناه أنَّه مُحرِمٌ بعُمْرَةٍ لأنَّ الحاجَّ لا يُمسِكُ حينئذٍ ورُوِيَ عن مالكٍ يُمسِكُ حينئذٍ.
          وقولُه: (ادَّهَنَ بِدُهْنٍ لَيْسَ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، ثُمَّ رَفَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم) قَالَ ابنُ التِّيْنِ: يحتملُ أن يعيدَ ذَلِكَ للاستواءِ عَلَى الرَّاحلةِ أو يكون أرادَ به: تَطَيَّبَ ولم يُعنَ بما لا رائحةَ له لأنَّ عائشةَ طَيَّبَتْه لإهلاله بأطيبِ الطِّيبِ المسكِ، ويحتملُ أن يكونَ ◙ فعلَ ذَلِكَ بعد أن تطيَّبَ بالمسكِ، فلم يرَه ابنُ عُمَرَ حين تطيَّبَ به.
          فائدةٌ: في «سننِ سعيدِ بنِ منصورٍ»: حَدَّثَنَا جريرٌ عن مُغِيرَةَ قَالَ: ذكرَ عندَ إبراهيمَ إذا قدمَ الحاجُّ أمسكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ ما دامَ يطوفُ بالبيتِ وقالَ إبراهيمُ: لا، بل يلبِّي قبلَ الطَّوافِ وفي الطَّوافِ وبعدَ الطَّوافِ، ولا يقطعها حَتَّى يرميَ الجمرةَ.
          وقال التِّرْمِذيُّ في «علله»: سألْتُ مُحَمَّدًا عن أبي إسحاقَ قَالَ: سألَ أبي عِكرِمَةَ _وأنا أسمعُ_ عَنِ الإهلالِ متى يُقطَعُ؟ فقالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ صلعم حَتَّى رمى الجمرةَ وأبو بكرٍ وعُمَرُ وعثمانُ... الحديثَ، فقالَ: هو حديثٌ محفوظٌ، وهو قولُ أبي حنيفةَ والشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وداودَ، إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ والشَّافعيَّ قالا: يقطعُ التَّلْبِيَةَ مع أوَّلِ حصاةٍ يرميها في الجمرةِ، وقالَ ابنُ حَزْمٍ: بل مع آخرِ حصاةٍ منها، وقد قَالَ ابنُ عبَّاسٍ وأسامةُ: لم يزلْ ◙ يلبِّي حَتَّى رمى جمرةَ العقبة وهو خلاف ما قالاه، ولو كَانَ كما قالاه لقالا: حَتَّى بدأَ بجمرةِ العقبةِ، ومِنْ حديث عبدِ اللهِ بنِ إبراهيمَ بنِ حُنَينٍ عن أبيه عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يُهِلُّ وهو يرمي جمرةَ العقبةِ، فقيل له: ما الإهلالُ يا أميرَ المؤمنين؟ فقالَ: وهل قضينا نُسُكَنا؟.
          وقال قومٌ منهم مالكٌ: إنَّ الحاجَّ يقطعها إذا طاف، وبالصَّفا والمروة، وإذا أتمَّ ذَلِكَ عاودها.
          وقال أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ: لا يقطعُ، وقال قومٌ: يقطعُ المعتمرُ التَّلْبِيَةَ إذا دخلَ الحَرَمَ، وقالَ آخرون: لا يقطعُها حَتَّى يرى بيوتَ مَكَّةَ، وقالت طائفةٌ: حَتَّى يدخلَ بيوتَها، وقال أبو حنيفةَ: لا يقطعُها حَتَّى يستلمَ الحجرَ، ويَعضُدُ ما ذكرَه المَرُّوْذيُّ عن أحمدَ عن هُشَيمٍ حَدَّثَنَا الحجَّاجُ عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جدِّه: ((اعتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلعم ثلاثَ عُمَرٍ، كلُّ ذَلِكَ في ذي القَعْدَةِ، يُلبِّي حَتَّى يستلمَ الحَجَرَ))، وقالَ اللَّيثُ: إذا بلغَ إلى الكعبةِ يقطعُ التَّلْبيةَ وقالَ الشَّافعيُّ: لا يقطعُ حَتَّى يفتتحَ الطَّوافَ.
          وقالَ مالكٌ: مَنْ أحرمَ مِنَ الميقاتِ قطعَ التَّلْبيةَ إذا دخلَ أوَّلَ الحرمِ، فإن أحرمَ مِنَ الجِعرَّانَةِ أو مِنَ التَّنعيمِ قطعَها إذا دخلَ بيوتَ مَكَّةَ أو المسجدَ، ورُوِيَ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ: لا يقطعُ المعتمرُ التَّلْبيةَ حَتَّى يستلمَ الرُّكْنَ، وكان ابنُ عُمَرَ يقطعُها إذا رأى بيوتَ مَكَّةَ، وكانت أمُّ سَلَمَةَ تأمرُ يومَ عرفةَ بالشَّمسِ ترعى لها، فإذا زالت قُطِعَتِ التَّلْبِيَةُ، ذكره ابنُ أبي حاتمٍ في «عللِه» عن موسى بنِ يعقوبَ عن عمَّتِه عنها.
          قَالَ ابنُ حَزْمٍ: والَّذي نقولُ به هو قولُ ابنِ مسعودٍ أنَّه لا يقطعُها، قَالَ: فإن قالوا: فهل عندكم اعتراضٌ فيما رُوِيَ عَنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّه كَانَ إذا دخلَ الحرمَ أمسكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ، ويرفعُ الحديث، قُلْنَا: لا مُعتَرَضَ فيه وهو صحيحٌ إلَّا أنَّه لا حُجَّةَ لكم فيه؛ أُوِّلَ ذَلِكَ أنَّه ليس فيه ما تذكرون مِنْ أنَّ هذا كَانَ في العُمْرَةِ، فهو مخالفٌ لما اختارَه أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ في الحجِّ، ولِما اختاره أبو حنيفةَ في العُمْرَةِ أيضًا، نقولُ لِمَنْ ذهبَ إلى قولِ مالكٍ: لا حُجَّةَ لكم فيه لأنَّه قد يمكن أنَّ ابنَ عُمَرَ إنَّما أشارَ بقولِه: أنَّه ◙ كَانَ يفعلُ ذَلِكَ، أي: إلى مبيته بذي طوًى وصلاةِ الصُّبحِ بها فقط، وكذا نقولُ، أو يكون أشارَ بذلك إلى قطعِ التَّلْبِيَةِ، كما نقولُ: فإن كَانَ هذا فخبرُ جابرٍ وأسامةَ وابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا: ((لزمَ التَّلْبِيَةَ وَلمْ يَقْطَعْها حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ)) زائدٌ عَلَى خبرِ ابنِ عُمَرَ، وزيادة العدل لا يجوز تركها وما أسلفناه عَنِ ابنِ مسعودٍ أخرجه الحاكمُ بلفظ: ((والَّذي بَعَثَ مُحَمَّدًا بالحقِّ لقد خَرَجْتُ معه منْ مِنًى إلى عَرَفَةَ، فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى الجَمْرَةَ إلَّا أَنْ يَخْلِطَها بِتَكْبيرٍ أو تَهْليلٍ)) ثُمَّ قَالَ: صحيحٌ عَلَى شرطِ مسلمٍ.
          وفي «عللِ ابنِ أبي حاتمٍ»: سُئِلَ أبو زُرْعَةَ عن حديثِ يونسَ بنِ بُكَيرٍ عَنِ ابنِ إسحاقَ عن إبراهيمَ بنِ عقبةَ عَنِ ابنِ عُمَرَ عن كُرَيبٍ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: ((بَعَثَني النَّبِيُّ صلعم مَعْ مَيْمُونَةَ أقودُ بها بَعِيرَهَا يَوْمَ النَّحْرِ، لبَّتْ مِنْ جَمْرَةِ العَقَبَةِ بِمنًى، فَما زِلْتُ أَسْمَعُها تُلبِّي، فلمَّا قَذَفَتِ الجَمْرَةَ بأوَّلِ حَصَاةٍ أَمْسَكَتْ)) فقالَ أبو زُرعَةَ: إنَّما هو عن كُرِيبٍ قَالَ: بعثني ابنُ عبَّاسٍ مع ميمونةَ، ويونسُ يَهِمُ فيه.
          فائدةٌ: أُقَدِّمُها هنا وأُحِيلُ عليها فيما بَعْدُ: اختلفَ العلماءُ في إهلالِه صلعم هل كَانَ مطلقًا أو معيّنًا؟ وإذا كَانَ معيّنًا، فهل كَانَ إفرادًا أو تمتُّعًا أو قِرانًا؟
          فروى الشَّافعيُّ مِنْ حديثِ طاوسٍ الأوَّل وأنَّه: ((كَانَ ينتظرُ القَضَاءَ، فنزلَ عليه القَضَاءُ وهو بينَ الصَّفَا والمَرْوَة، فأمرَ أصحابَهُ مَنْ كَانَ مِنْهُم أَهَلَّ وليس معهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَها عُمْرَةً)) الحديثَ.
          ومِنْ حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قَالَ: ((ما سمَّى رَسُولُ اللهِ صلعم في تَلْبيتِهِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً)) وقالَ في كتابِ «مختلفِ الحديثِ»: إنَّه الأشبهُ أن يكونَ محفوظًا، وقال الطَّبَرِيُّ: إنَّ جملةَ الحالِ أنَّه لم يكن متمتِّعًا لأنَّه قَالَ: ((لَو استقبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً)) ولا كَانَ مفرِدًا لأنَّ الهَدْيَ كَانَ معه واجبًا كما قَالَ، وذَلِكَ لا يكون إلَّا للقارنِ، ولأنَّ الرِّواياتِ الصَّحيحةَ تواترت بأنَّه قد قرنهما جميعًا، فكان مَنْ زاد أولى، ووجهُ الاختلاف أنَّه ◙ / لمَّا عقدَ الإحرامَ جعلَ يلبِّي تارةً بالحجِّ وتارةً بالعُمْرَةِ وتارةً بهما.
          وأمَّا قولُ المُهَلَّبِ السَّالفُ: ردَّ ابنُ عُمَرَ عَلَى أنسٍ قولَه: ((أَهَلَّ بحجٍّ وَعُمْرَةٍ)) وقال: كَانَ أنسٌ حينئذٍ يدخلُ عَلَى النِّسَاءِ وهنَّ متكشِّفاتٌ، ينسبه إلى الصِّغَرِ وقلَّةِ الضَّبطِ، زادَ الطَّرطوشيُّ في «كتابِ الحجِّ» له روى ابنُ عُمَرَ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم وأبا بَكْرٍ وعُمَرَ وابنَ عَوْفٍ أَفْردُوا الحَجَّ وَلَم يَقْرِنُوا ولم يَتَمَتَّعُوا))، قَالَ: وهذا يدفعُ اعتراضَ مَنْ قَالَ: سمعَ الحجَّ ولم يسمعِ العُمْرَةَ.
          وسُئِلَ أيضًا: بم أَهَلَّ رَسُولُ اللهِ صلعم؟ قَالَ: بالحجِّ مُفرِدًا، فلمَّا كَانَ في العام القابل سأله ذَلِكَ الرجل، فقال ابن عمرَ: أليسَ قد سألت عام أوَّل، فقلتُ لك: أهلَّ بالحجِّ مفرِدًا؟ فقال: إنَّ أنسًا يقول: قَرَنَ فقال: كَانَ أنسٌ صغيرًا يتولَّج عَلَى النِّساء وهنَّ متكشِّفات لا يَستترن منه لصغره، وأنا آخذٌ بزمامِ ناقةِ رَسُولِ اللهِ صلعم يمسُّني لعابُها، وفي روايةٍ: يسيلُ عَليَّ لعابُها، ((سَمِعتهُ يُهِلُّ بالحجِّ مُفْردًا، وأَهْلَلنا مع النَّبِيِّ بالحجِّ خَالصًا لا يَشُوبهُ شَيءٌ)) ففيه نظرٌ لأنَّ حَجَّةَ الوداعِ كانت وسِنُّ أنسٍ نحو العشرين، وقد جاءَ في «الصَّحيحِ» أنَّه مُنِعَ مِنَ الدُّخولِ عَلَى النِّسَاءِ حين بلغَ خمسَ عشرةَ سنةً، وذَلِكَ قبلَ الحجَّةِ بنحوِ خمسِ سنين، وسِنُّه نحوَ سِنِّ ابنِ عُمَرَ، ولعلَّه لا يكونُ بينهما إلَّا نحوٌ مِنْ سَنَةٍ أو دونِها.
          قَالَ ابنُ حَزْمٍ: رُوِيَ عن جميعِ مَنْ رَوى الإفرادَ القِرانُ، وهُم عائشةُ وجابرٌ وابنُ عُمَرَ وابنُ عبَّاسٍ، ووجدنا عليًّا وعِمْرَانَ بنَ حُصينٍ رُوِيَ عنهما التَّمتُّعُ والقِرَانُ، ووجدنا أمَّ المؤمنين حفصةَ والبراءَ بنَ عازبٍ وأنسَ بنَ مالكٍ لم تضطربِ الرِّوايةُ عنهم ولا اختلاف عنهم فيه، فنتركُ روايةَ كلِّ مَنْ قدِ اضطربَتِ الرِّوايةُ عنه، ونرجعُ إلى روايةِ مَنْ لم تضطرب عنه، وهذا وجهُ العمل عَلَى قول مَنْ يرى إسقاط ما تعارض مِنَ الرِّوايات، والأخذ بما لم يعارَض منها.
          وأمَّا مَنْ ذهبَ إلى الأخذِ بالزَّائدِ وهو وجهٌ يجبُ استعمالُه إذا كانَتِ الألفاظُ والأفعالُ كلُّها منسوبةً إلى سيِّدنا رَسُولِ اللهِ صلعم ولم تكن موقوفةً عَلَى مَنْ دونه، ولا تنازُعًا ممَّن سواه، فوجهُهُ أنَّا وجدنا أنَّ مَنْ روى الإفرادَ إنَّما اقتصرَ عَلَى ذِكْرِ الإهلالِ بالحجِّ وحده دون عُمْرَةٍ معه، ووجدنا مَنْ روى التَّمتُّعَ إنَّما اقتصرَ عَلَى ذِكْرِ الإهلالِ بعُمْرَةٍ وحدَها دون حجٍّ معها، ووجدنا مَنْ روى القِرَانَ قد جمع الأمرين معًا، فزاد عَلَى مَنْ ذَكَرَ الحجَّ وحدَه عُمْرَةً، وزاد عَلَى مَنْ ذكر العُمْرة وحدها حجًّا، فكانَتْ هذِه زيادتَي علمٍ لم يذكرهما الآخرون وزيادةَ حِفْظٍ ونَقْلٍ عَلَى كِلْتَي الطَّائفتين المتقدِّمتين، وزيادةُ العدلِ مقبولةٌ وواجبٌ الأخذُ بها، سيَّما إذا رُوجِعَ فيها فثبتَ عليها ولم يرجعْ، كما في «الصَّحيحِ» مِنْ حديثِ بكرٍ عن أنسٍ: ((سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يُلبِّي بالحَجِّ والعُمْرَةِ، قَالَ بكرٌ: فحَدَّثْتُ بذلك ابنَ عُمَرَ فقالَ: لبَّى بالحجِّ، قَالَ: فلَقِيْتُ أنسًا، فحَدَّثْتُه بقولِ ابنِ عُمَرَ فقالَ أنسٌ: ما يعدُّوننا إلَّا صبيانًا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يقولُ: لبَّيكَ عُمْرَةً وحَجًّا)).
          وفي لفظٍ: ((جَمَعَ بَيْنَهُما)) بين الحجِّ والعُمْرَةِ، وفي حديثِ يحيى بنِ أبي إسحاقَ وعبدِ العزيزِ بنِ صُهَيبٍ وحُمَيدٍ سمعُوا أنسًا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم أَهَلَّ بهما: ((لبَّيكَ عُمْرَةً وحَجًّا لبَّيكَ عُمْرةً وحجًّا)).
          وفي «الاستذكارِ» مِنْ روايةِ الحسن بإسنادٍ جيِّدٍ: ((وقَرَنَ القَومُ، فلمَّا قَدِمُوا مَكَّةَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلعم: أَحِلُّوا فهَابَ القَومُ، فَقَالَ: لَوْلَا أنَّ مَعِي هَدْيًا لأَحْلَلْتُ)).
          وعند الحاكم عَلَى شرطهما أنَّه ◙ قَالَ: ((لبَّيك بحجٍّ وعُمْرةٍ معًا)) وسيأتي عند البُخاريِّ اختلافُ عليٍّ وعثمانَ، وقولُ عليٍّ: ما كُنْتُ لأدعَ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ صلعم لقولِ أحدٍ ثمَّ أهلَّ بهما: ((لبَّيك بِعُمْرةٍ وَحَجَّةٍ)) [خ¦1563]، وسلفَ قولُُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلعم يقولُ: ((أَتَاني اللَّيْلةَ آتٍ مِنْ رَبِّي ╡ فقالَ صلِّ في هَذَا الوَادِي المُبَاركِ وَقُلْ: عُمْرَةٌ في حَجَّةٍ)) [خ¦1534]، ولمسلمٍ مِنْ حديثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَينٍ: ((أنَّهُ ◙ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، ثُمَّ لم يَنْهَ عنهُ حَتَّى ماتَ، ولم ينزلْ فيهِ قرآنٌ يُحَرِّمُه))
          ولأبي داودَ بإسنادٍ جيَّدٍ عَنِ البراءِ عن عليٍّ: ((أنَّه ◙ لَمَّا قَدِمَ مِنَ اليمنِ قَالَ: إنِّي قَدْ سُقْتُ الهَدْي وَقَرنْتُ)) ومِنْ حديث الصُّبَيِّ بنِ مَعبَدٍ بإسنادٍ جيِّد في حديثِ قَالَ: ((أَهْللتُ بالحجِّ والعُمْرَةِ قَالَ لي عُمَرُ: هُدِيْتَ لسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلعم مرَّتين)) صحَّحَه الدَّارَقُطْنيُّ في «عللِه»، وقالَ أبو عُمَرَ: جيِّدُ الإسنادِ، رواه الثِّقات والأثبات عن أبي وائلٍ عن الصُّبَيِّ عن عُمَرَ ومنهم مَنْ يجعلُه عن أبي وائلٍ عن عُمَرَ، والأوَّلُ مُجَوَّدٌ ورواتُه أحفظُ.
          وللحاكمِ _وقالَ عَلَى شرطِهما_ عن أبي قتادةَ: ((إنَّما قَرَنَ ◙ بينهما لأنَّهُ ◙ عَلِمَ أنَّه ليس بحاجٍّ بَعْدَها))، وفي «الاستذكارِ»: روى سفيانُ بنُ عُيَينَةَ عن إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ: سَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أبي أَوفى يقولُ بالكوفةِ: ((إنَّما جَمَعَ ◙ بينَهما لأنَّه عَلِمَ أنَّهُ لا يحجُّ بعدَها))، ولأحمدَ عن سُرَاقَةَ بإسنادٍ صالحٍ قَالَ: ((قَرَنَ رَسُولُ اللهِ صلعم في حَجَّةِ الوداعِ))، وعن أبي طَلحَةَ: ((أنَّه ◙ جَمَعَ بينهما))، أخرجَه ابنُ مَاجَهْ، وفيه الحجَّاجُ بنُ أَرْطأةَ، وللتِّرْمِذيِّ محسَّنًا عن جابرٍ: ((أنَّهُ ◙ قَرَنَ الحجَّ والعُمْرَةَ))، وقالَ أبو حاتمٍ الرَّازيُّ: إنَّه منكَرٌ.
          وقالَ ابنُ حَزْمٍ: صحَّ عن عائشةَ وحفصةَ أنَّه ◙ كَانَ قارنًا، يريدُ بذلك روايةَ أبي داودَ عن عائشةَ: ((طوافُكِ بالبيتِ، وبَيْنَ الصَّفا والمروة، يَكْفيكِ لحجِّكِ وعُمْرتكِ)) وقال أبو حاتمٍ: عن عطاءٍ مرسلًا أصحُّ، قَالَ: وأمَّا روايةُ عَمْرِو بنِ دينارٍ عن طاوسٍ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّه ◙ قَالَ لعائشةَ: ((طَوافُكِ الأوَّل بينَ الصَّفَا والمروةِ للحجِّ والعُمْرَةِ)) فهو حديثٌ منكَرٌ.
          قَالَ ابنُ حَزْمٍ: فصحَّ أنَّها كانَتْ قارنةً، وقال الطَّحَاوِيُّ: قولُه: ((طَوَافُكِ لِحَجَّتِكِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ))، يبعدُ أن يكونَ مِنْ كلامِ النَّبِيِّ في القلوبِ، لأنَّ الطَّوافَ وإن كَانَ للحجِّ فهو له دون العُمْرَةِ، وإن كَانَ لهما جميعًا لم يجزْ أن / يُضَافَ إلى أحدِهما دونَ الآخرِ.
          وحديثُ حفصةَ رواه مالكٌ عن نافعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ عنها يرفعُه: ((لَا أحلُّ حَتَّى أحلقَ مِنَ الحجِّ))، ولأحمدَ بإسنادٍ جيِّدٍ: عن أمِّ سَلَمَةَ: ((سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يقولُ: أَهلُّوا يَا آلَ مُحَمَّدٍ بِعُمْرَةٍ في حَجٍّ))، ولأبي داودَ مِنْ حديثِ أبي خَيْوانَ شيخٍ الهُنَائِيِّ: ((أنَّ معاويةَ قَالَ للصَّحابةِ: هَلْ تعلمون أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم نَهَى أن يُقْرَنَ بين الحجِّ والعُمْرَةِ؟ قَالُوا: لا))، وقال المُنْذِرِيُّ: اختُلِفَ فيه اختلافًا كثيرًا، فذكرَه، ولابنِ أبي شَيبَةَ مِنْ حديثِ عليِّ بنِ زيدٍ عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ قَالَ: سَمِعْتُ أصحابَ مُحَمَّدٍ يهلُّون بحَجَّةٍ وعُمْرَةٍ معًا، ومِنْ حديثِ عطاءِ بنِ السَّائِبِ عن كثيرِ بنِ جُمْهَانَ قَالَ: سألنا ابنَ عُمَرَ عن رجلٍ أهلَّ بحجٍّ وعُمْرَةٍ معًا، وإنَّا عِبْنَا ذَلِكَ عليه، ما كَفَّارَتُه؟ قَالَ: كَفَّارَتُه أن يرجعَ بأجرين وترجعُون بواحدٍ.
          وللكَجِّيِّ عَنِ الهِرْمَاسِ بن زيادٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم عَلَى ناقتِه قَالَ: ((لبَّيكَ حَجَّةً وَعُمْرةً معًا))، قَالَ ابنُ أبي حاتمٍ عن أبيه: فذَكَرْتُه لأحمدَ فأنكرَه، قَالَ أبي: أرى دَخَلَ لعبدِ اللهِ بنِ عِمْرَانَ حديثٌ في حديثٍ، وسرقه الشَّاذَكُوْنيُّ لأنَّه حَدَّثَ به بعدُ عن يحيى بنِ الضُّرَيْسِ.
          ولمسلمٍ عن أبي هريرةَ مرفوعًا: ((والَّذي نَفْسِي بيدهِ لَيُهِلَنَّ ابنُ مريمَ بفجِّ الرَّوحاءِ حاجًّا أو معتمرًا، أو لَيثْنِينَّهما))، والظَّاهرُ أنَّ هذا الشَّكَّ مِنْ صحابيٍّ أو ممَّن دونه، ورَجَّحَ أصحابُنا الإفرادَ بأنَّ رواتَه أكثرُ، ومجمعٌ عَلَى عدم كراهته بخلاف التَّمتُّعِ والقِرَانِ، ولعدم وجوب الدَّمِ فيه بخلافهما.
          وقالَ الخَطَّابيُّ: يحتملُ أن يكونَ بعضُهم سَمِعَه يقولُ: لبَّيك بحجٍّ فحكى أنَّه أفردَ، وخفي عليه قولُه: ((وَعُمْرَةٍ))، فلم يحكِ إلَّا ما سَمِعَ، ولا منافاةَ، ويحتملُ أن يكونَ سَمِعَه عَلَى سبيلِ التَّعليمِ لغيرِه، وأمَّا مَنْ روى التَّمَتُّعَ فأثبَتَ ما حَكَتْه عائشةُ مِنْ إحرامِه بالحجِّ، وما رواه أنسٌ مِنَ القِرَانِ إلَّا أنَّه أفادَ إيقاعهما في زمانين، وهو ما رَوَتْه حفصةُ.
          ويحتملُ أن يكونَ معنى قوله: ((لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ)) أي: لتَفَرَّدْتُ بها يُطَيِّبُ به نفوسَ مَنْ تمتَّعَ، فتكون دِلالته حينئذٍ عَلَى معنى الجوازِ، لا عَلَى معنى الاختيارِ، وسأذكرُ قريبًا مِنْ كلامِ إمامِنا الشَّافعيِّ في اختلافِ الحديثِ ما يُجمَعُ به الشَّتَاتُ إن شاء الله، وسيأتي حُجَّةُ مَنْ رَجَّحَ التَّمَتُّعَ مع المناقشةِ معه.