التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء

          ░51▒ بَابُ إِغْلَاقِ البَيْتِ ويُصَلِّي في أيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شَاءَ
          1598- ذَكَرَ فيه حديثَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: ((دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم البَيْتَ هُوَ وَأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ فَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا فَتَحُوا كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ وَلَجَ فَلَقِيتُ بِلاَلًا فَسَأَلْتُهُ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللهِ صلعم؟ قَالَ: ((نَعَمْ بَيْنَ العَمُودَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ)).
          هذا الحديثُ أخرجَه مسلمٌ أيضًا، وفي لفظٍ له: (جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ _وَكَانَ البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ_ ثُمَّ صَلَّى))، وللبُخاريِّ: ((عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَنْ يَمِينِهِ)) وفي روايةٍ منقطعةٍ: ((عَمُوْدَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ)) كما لمسلمٍ، وفي روايةٍ: ((فَسَأَلْتُ بِلَالًا أينَ صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ العَمُودَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، قَالَ: وَنَسِيْتُ أَنْ أَسْأَلَهُ: كَمْ صَلَّى؟))، وللبُخاريِّ: ((وَعِنْدَ المَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيْهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ)) ذَكَرَهَا في حَجَّة الوَدَاعِ والمغازي [خ¦4400]، وسَلَفَ في الصَّلاةِ في قولِه تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:125] أنَّه صَلَّى ركعتينِ كذا قالَ [خ¦395]، وأكثرُ الأحاديثِ على أنَّه لم يعلمْ كمْ صَلَّى، وذَكَرَه في المغازي ولم يوصلْ به سندَه.
          قالَ الدَّارَقُطْنيُّ في «عللِه»: رواه يُوْنُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سالمٍ عَنْ أبيه: ((أَخْبَرَنِي بِلَالٌ أَوْ عُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ)) على الشَّكِّ، ورواه عُثْمَانُ بنُ الهيثمِ عن حنظلةَ بنِ أبي سفيانَ عن سالمٍ عن أبيه عن بلالٍ أو أسامةَ، ورواه جابرٌ الجُعْفِيُّ عن سالمٍ ومجاهدٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ وقالَ فيهِ: ((كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صلعم شَيبَةُ بنُ عُثْمَانَ وَبِلَالٌ فَزَاحَمْتُ فَسَأَلْتُهُمَا مَا صَنَعَ؟ فَقَالَا: صَلَّى هاهُنَا)) فأسندَه عن شَيبَةَ وبِلَالٍ ولا نَعْلَمُ ذكرَ شَيبَةَ في هذا الحديثِ غير أبي حمزةَ عن جابرٍ عن سالمٍ.
          ورواه سيفُ بنُ سليمانَ عن مجاهدٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ فلم يذكرْ فيه بلالًا، ورواه شَرِيكٌ عن خُصَيفٍ عن مجاهدٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم دَخَلَ الكَعْبَةَ وَمَعَهُ الفَضْلُ، وَقَامَ بِلَالٌ عَلَى البَابِ فَسُئِلَ الفَضْلُ أصَلَّى رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: لَا، وَسَأَلْتُ بِلَالًا أَصَلَّى؟ قَالَ: نَعَمْ))، قالَ: والصَّحِيحُ مَنْ ذَكَرَ فيه بلالًا، وقالَ الإسماعيليُّ: في حديثِ سيفٍ هذا أنَّ بلالًا قالَ: صَلَّى ركعتينِ، وفي عَامَّةِ أحاديثِ ابنِ عُمَرَ: ونَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى))، وفي الدَّارَقُطْنيِّ: ((أَنَّهُ ◙ دَخَلَ الكَعْبَةَ يَومَ النَّحْرِ فَلَمْ يُصَلِّ، ودَخَلَها مِنَ الغَدِ فَصَلَّى وَذَلكَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ)) وفي إسنادِه ابنُ أبي ليلى الضَّعِيفُ.
          وفي روايةٍ له: ((أنَّهُ ◙ دَخَلَ البَيْتَ فَصَلَّى بَينَ السَّارِيَتَينِ ركعتينِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى بَينَ البَابِ والحِجْرِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَهِ القِبْلَةُ، ثُمَّ دَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى فَقَامَ فيهِ يَدْعُو ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ))، وكلُّه ظاهرٌ في أنَّ المرادَ بالصَّلاةِ المعهودةُ لا الدُّعَاءَ، وسواءٌ فيه الفَرْضُ والنَّفْلُ عندَ جمهورِ الفقهاءِ.
          قال الشَّافعيُّ: مَنْ صَلَّى في جوفِها مستقبلًا حائطًا مِنْ حيطانِها فصلاتُه جائزةٌ، وإنْ صَلَّى نحو البابِ وكانَ مغلقًا فكذلكَ، وإنْ كانَ مفتوحًا فباطلةٌ، لأنَّه لمْ يستقبلْ شيئًا منها فكأنَّه استَدَلَّ على ذلكَ بغَلْقِ بابِ الكعبةِ حينَ صَلَّى.
          وقد يقالَ: إنَّما غَلَّقَه لكثرةِ النَّاسِ عليهِ فيُصَلُّوا بصلاتِه ويكونُ ذلكَ عندَهم مِنْ مناسكِ الحجِّ كما فَعَلَ في صلاةِ اللَّيلِ حينَ لمْ يخرجْ إليهم خشيةَ أنْ تُكتَبَ عليهم، ومتى فُتِحَ وكانتِ العتبةُ قدرَ ثُلُثَي ذراعٍ صَحَّتْ أيضًا، ولا يَرِدُ عليهِ ما إذا انهدمَتْ وصَلَّى كما أَلْزَمَنَا ابنُ القّصَّار به، لأنَّه صَلَّى إلى الجهةِ، وفي دخولِه ◙ ومَنْ مَعَهُ ما يُشْرَعُ به الدُّخُولُ فيها ويُسَنُّ، ويُصَلِّي، وأقلُّ ما يُصَلِّي ركعتينِ للاتِّبَاعِ، وفي البَيْهَقيِّ: ((مَنْ دَخَلَ البَيْتَ خَرَجَ مِنْ سَيِّئَةٍ وَدَخَلَ فِي حَسَنَةٍ وَخَرَجَ مَغْفُوْرًا لَهُ)) وذكرَه ابنُ أبي شَيبَةَ مِنْ قولِ مجاهدٍ.
          وفي الإغلاقِ دِلَالَةٌ على جوازِه لِمَنْ أُبِيْحَ له الانفرادُ والدُّعَاءُ والصَّلاةُ فيها وخالفَ المساجدَ لأنَّ مقصودَ البيتِ الطَّوَافُ بخلافِها فإنَّ القصدَ منها الصَّلاةُ فيها.
          وسؤالُه بلالًا دالٌّ على حرصِه على العلمِ واقتفاءِ آثارِ النُّبُوَّةِ فيحفظُ ما شاهدَ ويسألُ عمَّا غابَ عنه.
          وقولُه: (بَيْنَ العَمُودَيْنِ) قد سلفَ كيفيتُه.