التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الطواف على وضوء

          ░78▒ بابُ الطَّوَافِ عَلَى وَضُوءٍ
          1641- 1642- ذَكَرَ فيهِ حديثَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحمنِ بنِ نَوْفَلٍ القُرَشِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ عُرْوَةَ بنَ الزُّبَيرِ فَقَالَ: قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صلعم، فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ، الحديثَ.
          وقد سلف في باب مَنْ طافَ بالبيتِ إذا قَدِمَ مكَّةَ [خ¦1614] [خ¦1615].
          وفيه ما ترجم به أنَّ سُنَّةَ الطَّوافِ أن يكون عَلَى طهارةٍ، واتَّفق جمهور العلماء عَلَى أنَّه لا يجزئ بغير طهارةٍ كالصَّلاة، وخالف ذَلِكَ أبو حنيفةَ كما أسلفته هناك، فقال: إن طاف بغير طهارةٍ فإن أمكنه إعادة الطَّواف أعادَهُ، وإن رجع إلى بلده جبره بالدَّم.
          وحُجَّة الجماعةِ هذا الحديثُ، وفِعْلُه للوجوب إلَّا أن تقوم دلالةٌ، وأيضًا فإنَّ فِعْلَهُ خرج مَخرج البيان لقولِه تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالبَيْتِ العَتِيقِ} [الحجّ:29] لأنَّ الطَّوافَ مجملٌّ يحتاجُ إلى بيانِ صفتِه لأنَّه يقتضي طوفةً واحدةً، وقد تقدَّم تسميتُه صلاةً، وقد يكون في الشَّرع صلاةٌ لا ركوعَ فيها ولا سجود كصلاةِ الجنازةِ، لا يُقَالُ: فينبغي أن يكون لها تحريمٌ وتسليمٌ، لأنَّه ليس كلُّ ما كَانَ صلاةً يحتاج إلى ذَلِكَ لأنَّ كثيرًا مِنَ النَّاس مَنْ يقول في سجود السَّهو إنَّه صلاةٌ ولا يحتاج إلى ذَلِكَ، وكذلك سجودُ التِّلاوة إذا كَانَ في صلاةٍ.
          وحديثُ صَفِيَّةَ لَمَّا حَاضَتْ، فقالَ: ((أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟)) فقيل: قَدْ أَفَاضَتْ، قال: ((فَلَا إِذَنْ)) حُجَّةٌ لنا؛ فلو كَانَ الدَّم يقوم مقام طوافها بغير طهارةٍ لكان ◙ لا يحتاج أن يُقيمَ هو وأصحابه إلى أن تطهرَ ثُمَّ تطوفَ، فإن قُلْتَ: إنَّ الطَّوافَ _أعني: طواف الزِّيارةِ_ لا يصحُّ الحجُّ إلَّا به، فلا يحتاج إلى طهارةٍ كالوقوف بعرفةَ، قُلْتُ: لَمَّا كَانَ يَعقِبُ كلَّ أسبوعٍ مِنَ الطَّواف ركعتان لا فصل بينه وبينها، وجبَ أن يكون الطَّائفُ متوضِّئًا لتتَّصلَ صلاتُه بطوافِه، والوقوف بعرفةَ لا صلاة بإثره فافترقا.
          واختلفوا فيمن انتقض وضوءُه وهو في الطَّواف: فقال عطاءٌ ومالكٌ: يتوضَّأ ويستأنف الطَّواف، قَالَ مالكٌ: بخلاف السَّعي لا يقطع ذَلِكَ عليه ما أصابه مِنِ انتقاضِ وضوئه، وقال النَّخَعِيُّ: يبني، وهو قولُ الشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ، إلَّا أنَّ الشَّافعيَّ قَالَ: إن تطاولَ استأنفَ، وقالَ مالكٌ: إن كَانَ تطوَّعَ فأراد إتمامه توضَّأَ واستأنفَ، وإن لم يرد إتمامه تركه.
          وفيه حُجَّةٌ لِمَن اختارَ الإفرادَ، وأنَّ ذَلِكَ كَانَ عملُ النَّبِيِّ صلعم وأصحابِه بعدَه، لم يُعدِلْ أحدٌ منهم إلى تمتُّعٍ ولا قرانٍ لقولِها: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ)، وهو يبيِّن لك أنَّ ما وقع لعائشةَ أنَّه اعتمرَ أو فسخَ وَهْمٌ، أو يكون عَلَى تأويلِ الأمرِ.
          وقولُه: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عُمْرَةٌ) هذا آخر كلام عائشةَ وما بعده لعُرْوَةَ، قاله أبو عبدِ الملكِ، وقال الدَّاوُديُّ: ما ذُكِرَ مِنْ حجِّ عثمانَ مِنْ كلامِ عُرْوَةَ وما قبله لعائشةَ، قَالَ: وما احتجَّ به عُرْوَةُ لا مَزيدَ فوقه، وإنَّما كَانَ الفسخُ في تلك الحَجَّة خاصَّةً.