التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الصلاة في الكعبة

          ░52▒ بَابُ الصَّلَاةِ في الكَعْبَةِ
          1599- حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الكَعْبَةَ، مَشَى قِبَلَ الوَجْهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَيَجْعَلُ البَابَ قِبَلَ الظَّهْرِ... الحديثَ.
          شيخُ البُخَارِيِّ هو المَرْوَزِيُّ المُلَقَّبُ مردويه قالَه الحاكمُ، وقالَ الدَّارَقُطْنيُّ: هو أحمدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ ثابتٍ عُرِفَ بابنِ شَبُّويَه.
          وفيهِ: الصَّلاةُ في الكعبةِ وقد أسلفنا مذاهبَ العلماءِ في حكمِ الصَّلاةِ فيها في البابِ المشارِ إليه في البابِ قبلَه [خ¦1598]، وقد تَرَكَ النَّاسُ روايةَ ابنِ عَبَّاسٍ وأسامةَ وأخذُوا بقولِ بلالٍ أنَّهُ صَلَّى فيها، فقد رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه قال: فتركَ النَّاسُ قولي وأخذوا بقولِ بلالٍ، وهو دالٌّ على أنَّ العملَ على الحكمِ للمثبتِ وتركِ النَّافِي وعليه جمهورُ الفقهاءِ، وابنُ عَبَّاسٍ إنَّما أخذه عن أسامةَ ليسَ له فيه إلَّا الرِّوَايَة عنه فهما على هذا قولٌ واحدٌ.
          قالَ ابنُ المُنْذِرِ: واختلفَ بلالٌ وأسامةُ في صلاتِه فيها، فحكمَ أهلُ العلمِ لبلالٍ على أسامةَ لأنَّه شاهدٌ وأسامةُ نافٍ غيرُ شاهدٍ، وكذلكَ الفضلُ أيضًا نافٍ، والمثبتُ أولى لأنَّه يحكي فعلًا حفظَه بخلافِ النَّافِي، وكانَ أسامةُ يغيبُ عن رسولِ اللهِ صلعم فيحتملُ أنْ يكونَ صَلَّى في غيبتِه، فإنَّه روى أنَّه رأى صورًا في الكعبةِ، قالَ: فَكَنْتُ آتيه بماءٍ في الدَّلْوِ يضربُ به الصُّوَرَ، وقالَ: ((قَاتَلَ الله قَومًا يُصَوِّرُونَ مَا لَا يَخْلِقُون)).
          فرعٌ: يُسْتَحَبُّ دُخُولُ الكعبةِ حافيًا وألَّا يرفعَ بصرَه إلى السَّقفِ، روى موسى بنُ عقبةَ عن سالمِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّ عائشةَ كَانَتْ تقولُ: عَجَبًا لِمَنْ يدخلُ في الكعبةِ كيفَ يرفعُ رأسَه إعظامًا للهِ وإجلالًا؟! ((دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم الكَعْبةَ فَمَا خَلَفَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُوْدِهِ))، اختلفَ فيه، قالَ أبو حاتمٌ: منكرٌ، وقالَ الحاكمُ: صحيحٌ على شرطِهما، وقد أَسِفَ ◙ على دخولِه، قَالَتْ عائشةُ: ((دَخَلَ عَلِيَّ النَّبيُّ صلعم وَهْوَ حَزِينٌ فَقَلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي / وَأَنتَ قَرِيرُ العَينِ طَيِّبُ النَّفْسِ، فَمَا بَالُكَ؟ فقالَ: إنِّي دَخَلْتُ الكَعْبَةَ، ووَدِدْتُ أنِّي لَمْ أَكْنْ فَعَلْتُه إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ أَتْعَبْتُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي))، قالَ التِّرْمِذِيُّ: حسنٌ صحيحٌ، وقالَ الحاكمُ: صحيحُ الإسنادِ.
          وللطَّبَرَانيِّ مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ عن عائشةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ كُلُّ نِسَائِكَ قَدْ دَخَلْنَ البَيْتَ غَيْرِي، قَالَ: ((فَاذْهَبِي إِلَى ذِي قَرَابَتِكِ آلِ شَيبَةَ فَلْيَفْتَحْ لَكِ البَابَ)).
          فائدةٌ: في الحديثِ أنْ يكونَ بينَ المُصَلِّي وسترتِه ثلاثةُ أذرعٍ، وتخليفُ البابِ وراءَ ظهرِه، وفضلُ الأماكنِ الَّتي كانَ الشَّارِعُ يقومُ فيها، واتِّبَاعُ ابنِ عُمَرَ للآثارِ، والإباحةُ أنْ يُصَلِّيَ في أيِّ البيتِ شاءَ، فهذه خمسُ فوائدٍ غير ما سلفَ.