-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
باب وجوب الحج وفضله
-
باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر}
-
باب الحج على الرحل
-
باب فضل الحج المبرور
-
باب فرض مواقيت الحج والعمرة
-
باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
-
باب مهل أهل مكة للحج والعمرة
-
باب الصلاة بذي الحليفة
-
باب خروج النبي على طريق الشجرة
-
باب قول النبي: العقيق واد مبارك
-
باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
-
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن
-
باب من أهل ملبدًا
-
باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
-
باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
-
باب الركوب والارتداف في الحج
-
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
-
باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح
-
باب رفع الصوت بالإهلال
-
باب التلبية
-
باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب
-
باب من أهل حين استوت به راحلته
-
باب الإهلال مستقبل القبلة
-
باب التلبية إذا انحدر في الوادي
-
باب: كيف تهل الحائض والنفساء
-
باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي
-
باب قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}
-
باب التمتع والإقران والإفراد بالحج
-
باب من لبى بالحج وسماه
-
باب
-
باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
-
باب الاغتسال عند دخول مكة
-
باب دخول مكة نهارًا أو ليلًا
-
باب: من أين يدخل مكة؟
-
باب فضل مكة وبنيانها
-
باب فضل الحرم
-
باب توريث دور مكة وبيعها
-
باب نزول النبي مكة
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا}
-
باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}
-
باب كسوة الكعبة
-
باب هدم الكعبة
-
باب ما ذكر في الحجر الأسود
-
باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء
-
باب الصلاة في الكعبة
-
باب من لم يدخل الكعبة
-
باب من كبر في نواحي الكعبة
-
باب كيف كانَ بدء الرمل
-
باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا
-
باب الرمل في الحج والعمرة
-
باب استلام الركن بالمحجن
-
باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
-
باب تقبيل الحجر
-
باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه
-
باب التكبير عند الركن
-
باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته
-
باب طواف النساء مع الرجال
-
باب الكلام في الطواف
-
باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك
-
باب: إذا وقف في الطواف
-
باب: صلى النبي لسبوعه ركعتين
-
باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة
-
باب من صلى ركعتي الطواف خارجًا من المسجد
-
باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام
-
باب الطواف بعد الصبح والعصر
-
باب المريض يطوف راكبًا
-
باب سقاية الحاج
-
باب ما جاء في زمزم
-
باب طواف القارن
-
باب الطواف على وضوء
-
باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله
-
باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة
-
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.
-
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج
-
باب: أين يصلي الظهر يوم التروية؟
-
باب الصلاة بمنى.
-
باب صوم يوم عرفة
-
باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
-
باب التهجير بالرواح يوم عرفة
-
باب الوقوف على الدابة بعرفة
-
باب الجمع بين الصلاتين بعرفة
-
باب قصر الخطبة بعرفة
-
باب الوقوف بعرفة
-
باب السير إذا دفع من عرفة
-
باب النزول بين عرفة وجمع
-
باب أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط
-
باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة
-
باب من جمع بينهما ولم يتطوع
-
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
-
باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون
-
باب من يصلي الفجر بجمع
-
باب: متى يدفع من جمع؟
-
باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة
-
باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
-
باب ركوب البدن
-
باب من ساق البدن معه
-
باب من اشترى الهدي من الطريق
-
باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم
-
باب فتل القلائد للبدن والبقر
-
باب إشعار البدن
-
باب من فتل القلائد بيده
-
باب تقليد الغنم
-
باب القلائد من العهن
-
باب تقليد النعل
-
باب الجلال للبدن
-
باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها
-
باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن
-
باب النحر في منحر النبي بمنى
-
باب نحر الإبل مقيدة
-
باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا
-
باب: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكانَ البيت}
-
باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق
-
باب الذبح قبل الحلق
-
باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق
-
باب الحلق والتقصير عند الإحلال
-
باب تقصير المتمتع بعد العمرة
-
باب الزيارة يوم النحر
-
باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلًا
-
باب الفتيا على الدابة عند الجمرة
-
باب الخطبة أيام منى
-
باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟
-
باب رمي الجمار
-
باب رمي الجمار من بطن الوادي
-
باب رمي الجمار بسبع حصيات
-
باب: يكبر مع كل حصاة
-
باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف
-
باب: إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة
-
باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى
-
باب الدعاء عند الجمرتين
-
باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة
-
باب طواف الوداع
-
باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت
-
باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح
-
باب المحصب
-
باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة
-
باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة
-
باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية
-
باب الإدلاج من المحصب
-
باب وجوب الحج وفضله
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░79▒ بابُ وُجُوبِ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ وَجُعِلَا مِنْ شَعَائِرِ الله.
1643- ذَكَرَ فيه عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللهِ تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158]. الحديثَ بطولِه، وقد أخرجَه مسلمٌ أيضًا.
وقولُه: (حَتَّى أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ)، قائلُ هذا هو الزُّهْرِيُّ كما صرَّحَ به مسلمٌ، وزعم الحُمَيدِيُّ أنَّ أبا معاويةَ الضَّريرَ تفرَّد عن هشامٍ بقوله: إنَّ الأنصارَ كانُوا يطوفون بين الصَّفا والمروةِ، وسائرُ الرِّواياتِ عن هشامٍ أنَّهم كانوا لا يطوفون بينهما.
وما ذَكَرَتْه عائشةُ ♦ مِنْ بديعِ فقهِها ومعرفتِها بأحكامِ الألفاظِ، لأنَّ الآيةَ الكريمةَ إنَّما اقتضى ظاهرُها رفعَ الحرجِ عمَّن طاف بين الصَّفا والمروة، وليس بنصٍّ في سقوط الوجوب، فأخبَرَتْه أنَّ ذَلِكَ محتملٌ، ولو كَانَ نصًّا في ذَلِكَ لكان يقولُ: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ ألَّا يَطَوَّفَ بِهِمَا» لأنَّ هذا يتضمَّن سقوط الإثم عمَّن ترك الطَّواف، ثُمَّ أخبَرَتْه أنَّ ذَلِكَ إنَّما كَانَ بسبب الأنصار، وقد يكون الفعل واجبًا ويعتقدُ المعتقدُ أنَّه قد مُنِعَ مِنْ إيقاعه عَلَى صفةٍ، وهذا كمَنْ عليه صلاةُ ظُهْرٍ فَظَنَّ ألَّا يسوغ له إيقاعها بعد المغرب فيَسأل فيُقَالُ: لا حرجَ عليك إن صَلَّيْتَ، فيكون الجوابُ صحيحًا، ولا يقتضي نفي وجوب الظُّهْرِ عليه، وقد جاء أنَّ الأنصار قالوا: إنَّما أُمِرْنَا / بالطَّوافِ ولم نُؤمَرْ بين الصَّفا والمروة فنزلت الآية، وعُرْوَةُ أَوَّلَ الآيةَ بألَّا شيء عليه في تركِه لأنَّ هذا اللَّفظ أكثر ما يُستَعمَلُ في المباحِ دون الواجب، ولكنَّ سببه أنَّه خُوطِبَ به مَنْ رأى الحرج فيه.
وجاء أنَّ مِنَ العربِ مَنْ كَانَ يقولُ: إنَّ طوافَنا بين هذين الحجرَين مِنْ أمر الجاهليَّة، فقال أبو بكرِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ: أراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء.
وفي «أسبابِ النُّزولِ» للواحِديِّ: قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: كَانَ عَلَى الصَّفا صنمٌ عَلَى صورةِ رجلٍ يُقَالُ له إِسَافُ، وعلى المروة صنمٌ عَلَى صورة امرأةٍ تُدعَى نائلةُ، يزعم أهل الكتاب أنَّهما زنيا في الكعبة، فمُسِخَا حَجَرين، فوُضِعَا عَلَى الصَّفا ليُعتَبَرُ بهما، فلَّما طَالَتِ المدَّةُ عُبِدَا، فكان أهلُ الجاهليَّة إذا طافوا بينهما مسحوا الوثنين، فلمَّا جاءَ الإسلامُ وكُسِرَتِ الأصنامُ كره المسلمون الطَّوافَ بينهما لأجلِ الصَّنمين، فنزلت هذِه الآية.
وقالَ السُّدِّيُّ: كَانَ في الجاهليَّةِ تعزفُ الشَّياطينُ في اللَّيلِ بين الصَّفا والمروة، وكانت بينهما آلهةٌ، فلمَّا ظهر الإسلامُ قَالَ المسلمون: يا رَسُولَ اللهِ لا نطوف بينهما فإنَّه شركٌ، كنَّا نصنعُه في الجاهليَّة، فنزلت الآيةُ.
وقالَ الفرَّاءُ: فيما نقله الأَزهَرِيُّ: كانَتِ العربُ عامَّةً لا يرَون الصَّفا والمروة مِنَ الشَّعَائِرِ، لا يطوفون بينهما، فأنزلَ اللهُ تعالى: {لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ} [المائدة:2] أي: لا تستحلُّوا تركَ ذَلِكَ، وفي «معانيِه»: كره المسلمون الطَّوافَ بينهما لصنمين كانا عليهما، فكرهوا أن يكون ذَلِكَ تعظيمًا لهما.
وقال أبو عُبَيدَةَ: شعائر الله واحدُها شَعيرةٌ وقيل: شِعَارَةٌ، حكاه في «الموعَبِ» و«المطالعِ»، وهو ما أشعرَ هَدْي إلى بيتِ اللهِ تعالى، وقالَ الزَّجَّاجُ: هي جميع متعبِّدات الله الَّتي أشعرها الله، أي: جعلها أعلامًا لنا، وهي كلُّ ما كَانَ مِنْ موقفٍ أو سعيٍ وذبحٍ، وإنَما قيل: شعائرُ لكلِّ علمٍ ممَّا تُعبِّد به، وقال الحسنُ: شعائره: دينُه.
وقال السِّجِسْتَانيُّ في «مصاحفِه»: وَجَدْتُ في مصحفِ أُبَيِّ بنِ كعبٍ: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا» وقال الزَّمَخْشَرِيُّ: هي قراءةُ ابنِ مسعودٍ، زادَ غيرُه: وابنُ عبَّاسٍ.
وقالَ الزَّجَّاجُ: يجوزُ أن يُطَوِّفَ وأن يَطَّوَفَ ويَطُوفَ، فالثَّاني عَلَى الإدغامِ، لقربِ مخرجِ التَّاءِ مِنَ الطَّاءِ، ومَنْ ضَمَّ أوَّلَه فهو مِنْ طوَّف إذا أكثرَ التَّطواف.
إذا تقرَّر ذَلِكَ فاختَلفَ العلماءُ في السَّعي بينهما، فرُوِيَ عَنِ ابنِ مسعودٍ وأُبيِّ بنِ كعبٍ وابنِ عبَّاسٍ أنَّه غيرُ واجبٍ، ولا دمَ في تركه وحُكِيَ أيضًا عن أنسٍ وابنِ الزُّبَيرِ وابنِ سِيرِينَ، وقال عطاءٌ والحسنُ وقَتَادَةُ والثَّورِيُّ: هو واجبٌ، يُجبرُ بدمٍ وعن عطاءٍ: سُنَّةٌ لا شيء فيه، وبه قَالَ الكوفيُّون، وقالَتْ عائشةُ: هو فرضٌ لا يصحُّ الحجُّ إلَّا به، وبه قَالَ مالكٌ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ وداودُ، ويأمرون مَنْ بقي عليه منه شيءٌ بالرُّجوع إليه مِنْ بلدِه، فإن كَانَ وطِئَ النِّساءِ قبل أن يرجعَ كَانَ عليه إتمامُ حجِّه أو عُمْرَتِه وحجُّ قابِلٍ والهديُ، كذا حكاه ابنُ بَطَّالٍ عنهم.
ونقل المرُّوْذيُّ عن أحمدَ أنَّه مستحبٌّ، واختيارُ القاضي وجوبُه وانجبارُه بالدَّم، قَالَ ابنُ قُدَامَةَ: وهو أقربُ إلى الحقِّ، وعن طاوسٍ: مَنْ تركَ منه أربعةَ أشواطٍ لزِمَهُ دمٌ، وإن تركَ دونها لزمه لكلِّ شوطٍ نصفُ صاعٍ، وليس هو بركنٍ.
وذكرَ ابنُ القَصَّارِ عَنِ القاضي إسماعيلَ: أنَّه ذَكَرَ عن مالكٍ فيمَنْ تركَه حَتَّى تباعدَ فأصاب النِّسَاءَ أنَّه يجزئه ويهدي.
احتجَّ مَنْ لم يره واجبًا بقراءةِ مَنْ قرأ: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَلَّا يَطَوَّفَ بِهِما» فعلى هذا لا جُنَاحَ عليه في تركه، كما قالته عائشةُ، واحتجَّ بعضُهم بقراءةِ الجماعة وقالوا: الآيةُ تقتضي أن يكون السَّعي مباحًا لا واجبًا كقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النِّساء:101] والقصر مباحٌ لا واجبٌ، وبقول عائشةَ في هذا الحديث: (وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللهِ صلعم الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا).
والجواب أنَّ عائشةَ قد رَدَّتْ عَلَى عُرْوَةَ تأويلَ المخالف في الآيةِ وقالَتْ: بِئْسَ ما قُلْتَ يا ابنَ أُختي إنَّ الآيةَ لو كانَتْ كما أوَّلتَها لكان: فلا جُناحَ عليه ألَّا يطوَّفَ بهما، وإنَّما نزلت في الأنصارِ الَّذين كانوا يتحرَّجُون في الجاهليَّةِ أن يطوفُوا بينهما، وفي الَّذين كانوا يطوفون في الجاهليَّة، ثُمَّ تحرَّجُوا أن يطوفُوا في الإسلام، وهذا يُبطلُ تأويلَهم لأنَّ عائشةَ عَلِمَتْ سببَ الآيةِ، وضَبَطَتْه، وتفسيرُ الرَّاوي مقدَّمٌ عَلَى غيره، والمراد بقولها: إنَّه ◙ سَنَّهُ، أي: جَعَلَه طريقةً لا كما تحرَّجُوا منه، وقد صحَّ مِنْ مذهبها أنَّه فرضٌ، كما قاله ابنُ بَطَّالٍ، وإن حكى الخَطَّابيُّ عنها: أنَّه تطوُّعٌ.
وأمَّا القراءةُ الأولى فشاذَّةٌ، وقد يجوز أن ترجع إلى معنى المشهورة لأنَّ العربَ تصل بـــ «لا» وتزيدها كقوله تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ. وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1-2]، وكقوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة:75]، و{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ} [المعارج:40] أقسمُ بيومِ القيامةِ، وأقسم بكلِّ ما ذُكِرَ، و{مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف:12] أي: ما منعك أن تسجد، فيحتمل قول عائشةَ لعُرْوَةَ: (كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُوْلُ كَانَتْ فَلَا جَنَاحَ عَلَيهِ أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا) عَلَى معنى الصِّلة الَّتي رجع بها إلى معنى قوله: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} وقد جعلهما مِنْ شعائرِه: وهي العلامات، وقد قَالَ تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ} [الحجّ:32].
وقال الشَّارِعُ لَمَّا طافَ بهما: ((نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ)) وقال: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)) وطاف بينهما.
ودلَّ حديثُ حمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عن هشامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبيه عن عائشةَ أنَّها قالَتْ: ما تمَّتْ حَجَّةُ أحدٍ ولا عُمْرَتُه لم يطف بين الصَّفا والمروة، أنَّ ذَلِكَ ممَّا لا يكون مأخوذًا مِنْ جهة الرَّأي، وإنَّما يُؤخَذُ مِنْ جهة التَّوقيف، وقولها ذَلِكَ يدلُّ عَلَى وجوبِ السَّعي بينهما في الحجِّ والعُمْرَةِ جميعًا.
قَالَ ابنُ المُنْذِرِ: إن ثبت حديثُ بنتِ أبي تَجْرَاةَ: ((اسْعَوا فإنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْي))، فالسَّعي ركنٌ، كما قَالَ الشَّافعيُّ وإلَّا فهو تطوُّعٌ، قَالَ ابنُ عبدِ البرِّ: تفرَّدَ به عبدُ اللهِ بنُ المُؤَمِّلِ، / وكان سيِّئ الحفظ، ولا نعلم له خربةً تُسقِطُ عدالتَه.
وزعم بعضُ الشَّافعيَّةِ أنَّ الآيةَ الكريمة تمَّ الكلام فيها عند قوله: {فَلَا جُنَاحَ} ثُمَّ ابتدأ فقال: {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} والجواب أنَّ الأمر يقتضي رفع الجُنَاحِ والحرجِ عمَّن تطوَّف بهما، والكلام فيمن سعى بينهما.
فائدةٌ: مَنَاةُ: صنمٌ كَانَ نَصَبَهُ عَمْرُو بنُ لُحَيٍّ لجهةِ البحرِ، قَالَ ابنُ الكلبيِّ: وقيل: هي صخرةٌ لهذيلٍ بقُدَيدٍ، سُمِّيَتْ مَنَاة لأنَّ النَّسَائِكَ كانت تُمنى بها أي: تُرَاقُ، وقال الحازميُّ: هي عَلَى سبعة أميالٍ مِنَ المدينة، وإليه نسبوا زيد مَناة، والمُشَلَّلُ _بضمِّ الميم وفتح الشِّين المعجمة ولامين الأولى مفتوحةٌ_: الجبل الَّذي يُهبَطُ منه إلى قُدَيدٍ مِنْ ناحية البحرِ، وقال البكريُّ: هي ثنيَّةٌ مشرفةٌ عَلَى قُدَيدٍ، وقال ابنُ التِّيْنِ: هي عند الجُحْفَةِ.
وفي روايةِ أبي معاويةَ: أنَّ الأنصارَ كانوا يهلُّون لصنمين عَلَى شطِّ البحر يُقَالُ لهما: إِسَافٌ ونائلةُ، وإِسَافُ بنُ بغيٍّ، ونائلةُ بنتُ ديك، قاله ابنُ إسحاقَ وغيرُه، ووقعَ في كلامِ القُرْطُبيِّ: ابنُ بغا، ويُقَالُ: عَمْرٌو، ونائلةُ بنتُ سُهَيلٍ، ويُقَالُ: ذئبٌ، والمعروف ما قدَّمناه، قَالَ: ولم يكونا قطُّ عَلَى شاطئِ البحرِ، وإنَّما كانا _فيما يُقَالُ_ مِنْ جرهمَ، زنيا في الحرمِ داخلَ الكعبةِ فمُسِخَا حجرين فنصبا عندَ الكعبةِ، وقيلَ: عَلَى الصَّفَا والمروةِ ليعتبرَ بهما النَّاسُ، ثُمَّ حَوَّلَهما قُصِيُّ بنُ كلابٍ فجعلَ أحدَهما ملاصقَ الكعبةِ والآخرَ بزمزمَ.
وقيلَ: جعلَهما بزمزمَ ونحرَ عندهما وأمرَ بعبادتِهما، وما ذكرَه مِنْ أنَّ قُصَيًّا هو الَّذي نحرَ عندَهما خلاف ما ذكرَه الأَزرَقيُّ أنَّ فاعلَ ذَلِكَ عَمْرُو بنُ لُحَيٍّ الَّذي ابتدعَ عبادةَ الأوثانِ.
وذكرَ الواقِديُّ أنَّ نائلةَ حينَ أَمَرَ الشَّارِعُ بكسرها عامَ الفتحِ خرجت منها سوداءُ شمطاءُ تخمشُ وجهَها، وتنادي بالويلِ والثُّبُورِ، وهادمُها أبو سفيانَ فيما ذكرَه ابنُ هشامٍ، ويُقَالُ: عليُّ بنُ أبي طالبٍ.
فائدةٌ أخرى: قوله: (قَالَ أَبُو بكرٍ _يَعْني ابنَ عبدِ الرَّحمنِ_ فأَسْمَعُ هذِهِ الآيَّةَ نَزَلَتْ فِي الفَرِيقَيْنِ كلاهما فِي الَّذينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطوفُوا في الجَاهِلِيَّةِ بِين الصَّفَا وَالمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يُطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا فِي الإِسْلاَمِ) يحتمل أن يكون: فاسْمَعْ أمرًا، قَالَ ابنُ التِّيْنِ: وكذلك هو مضبوطٌ في الأصل، ويحتمل أن يكون خبرًا عن نفسه قُلْتُ: وهو ما ضبطه الدِّمْياطيُّ بخطِّه، وعَلَى الوجهين فإنَّ الآية نزلت فيمن خاف الحرج إذا طاف بينهما.