التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا وقف في الطواف

          ░68▒ بابُ إِذَا وَقَفَ فِي الطَّوَافِ
          وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ يَطُوفُ فَتُقَامُ الصَّلاَةُ، أَوْ يُدْفَعُ عَنْ مَكَانِهِ: إِذَا سَلَّمَ يَرْجِعُ إِلَى حَيْثُ قُطِعَ فيبني عَلَيْهِ، وَيُذْكَرُ نَحْوُهُ عَنِ ابنِ عُمَرَ وَعَبْدِ الرَّحمنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ.
          قَالَ المرُّوذِيُّ: قُرِئَ عَلَى أبي عبدِ اللهِ عن عبدِ الرَّزَّاقِ: أخبَرَنا مَعْمَرٌ حَدَّثَنِي بُرَيْدُ بنُ أبي مريمَ السَّلُوليُّ قَالَ: رَأَيْتُ ابنَ عُمَرَ يطوفُ بينَ الصَّفَا والمروةِ فأعجله البولُ، فتنحَّى فبالَ ثُمَّ دعا بماءٍ، فتوضَّأَ ولم يَغسلْ أثرَ البولِ، فاجتمع عليه النَّاس، فقال سالمٌ: إنَّ النَّاسَ يَرَون أنَّ هذِه سُنَّةٌ، فقال ابنُ عُمَرَ: كلا إنَّما أعجَلَني البولُ ثُمَّ قام فأتمَّ عَلَى ما مضى، فقال أبو عبدِ اللهِ: ما أحسنَهُ وأتمَّه.
          قَالَ مالكٌ: لا ينبغي الوقوف ولا الجلوس في الطَّواف، فإنْ فعلَ منه شيئًا بنى فيما خفَّ ولم يتطاول، وأجزأه.
          وقال نافعٌ: ما رَأَيْتُ ابنَ عُمَرَ قائمًا قطُّ إلَّا عند الرُّكن، وقال عَمْرُو بنُ دينارٍ: رَأَيْتُ ابنَ الزُّبَيرِ يطوف فيسرع، قَالَ نافعٌ: ويُقالُ: القيامُ في الطَّوافِ بدعةٌ، وأجاز عطاءٌ أن يجلس ويستريح في الطَّواف.
          وابنُ بَطَّالٍ خلط هذا البابَ بالبابِ الَّذي بعده، ثُمَّ أبدى سؤالًا فقال: فإن قيلَ: فما معنى ذِكرِه ◙ طافَ أسبوعًا وصلَّى ركعتين في هذا الباب والبُخاريُّ لم يذكره فيه، وإنَّما ذكره فيما بعده كما ستعلمه؟ قيل: معناه _والله أعلم_ أنَّه صلَّى حين طافَ وركعَ بإثره ركعتين لم يُحفظ عنه أنَّه وقفَ ولا جلسَ في طوافه، ولذلك قَالَ نافعٌ: إنَّ القيام فيه بدعةٌ، إلَّا أن يَضعُفَ فلا بأس بالوقوف والقعود اليسير فيه للرَّاحة، وبنى عليه.
          وإنَّما كره العلماءُ الوقوف والقعود فيه لغير عُذرٍ لأنَّ مَنْ أجاب دعوة أبيه إبراهيمَ عَلَى بُعْدِ الشُّقَّة وشدَّة المشقَّةِ لا يصلح إذا بلغ العمل أن يتوانى فيه بوقوفٍ أو قعودٍ لغير عذرٍ، ولهذا المعنى كَانَ ابنُ الزُّبَيرِ يسرعُ في طوافِه.
          وجمهور العلماء يرَون لِمَنْ أُقيمَتْ عليه الصَّلاة البناء عَلَى طوافه إذا فرغ مِنْ صلاته، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابنِ عُمَرَ وعطاءٍ والنَّخَعيِّ وابنِ المسيِّبِ وطاوسٍ، وبه قَالَ الأربعةُ وإسحاقُ وأبو ثَورٍ إلَّا الحسنُ فإنَّه قَالَ: يبتدئ الطَّواف، وحُجَّة الجماعةِ قيام العُذر وغير جائزٍ أن يبطل عمله بغير حجَّةٍ، وفي المسألة خلافٌ آخر ذكره عبدُ الرَّزَّاقِ عن أبي الشَّعثاءِ: أنَّه أُقيمت عليه الصَّلاة وطاف خمسة أطوافٍ فلم يتمَّ ما بقي، وعن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ مثله.
          وعن عطاءٍ: إنْ كَانَ الطَّواف تطوُّعًا وخرج في وترٍ، فإنَّه يجزئ عنه، وكذلك إن عرضت له حاجةٌ فخرج فيها، وعَنِ ابنِ عبَّاسٍ: مَنْ بَدَتْ له حاجةٌ فخرجَ لها، فليخرج عَلَى وترٍ مِنْ طوافِه، ويركعْ ركعتين ولا يعدْ لبقيَّته.
          وقال مالكٌ: مَنْ طاف بعض طوافه ثُمَّ خرج لصلاةٍ عَلَى جنازةٍ أو خرج لنفقةٍ نسيها فليبتدئ الطَّواف ولا يبني، ولا يخرج مِنْ طوافه لشيءٍ إلَّا لصلاةِ الفريضة وهو قولُ الشَّافعيِّ وأبي ثَورٍ، وقال أشهبُ: يبني إذا صلَّى على جنازةٍ وهو قول أبي حَنيفةَ، وقال ابنُ المُنْذِرِ: لا يخرج مِنْ بِرٍّ هو فيه إلى بِرٍّ وَلْيُتِمَّ طوافَه، وقال النَّوويُّ في «شرح المهذَّب» فيمن حضرته جنازةٌ في أثناء الطَّواف: إنَّ مذهب الشَّافعيِّ ومالكٍ أنَّ إتمام الطَّواف أولى، وبه قَالَ عطاءٌ وعَمْرُو بنُ دينارٍ، وقال أبو ثَورٍ: لا يخرج وإن خرج استأنف، وقال أبو حنيفةَ والحسنُ بنُ صالحٍ: يخرج لها.