التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الفتيا على الدابة عند الجمرة

          ░131▒ بَابُ: الفُتْيَا على الدَّابَّةِ عندَ الجَمْرَة.
          1736- ذَكَرَ فيه حديثَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: أنَّه صلعم وقَفَ في حَجَّةِ الودَاعِ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، وذكر فيه الحَلْقَ قَبْلَ الذَّبْح، قال: (اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ)، والنَّحْرَ قَبْلَ الرَّمِي فقال: (ارْمِ وَلَا حَرَجَ)، فَمَا سُئِلَ يَومَئِذٍ عن شَيءٍ قُدِّمَ ولَا أُخِّرَ إِلَّا قال: (افْعَلْ ولَا حَرَجَ).
          1737- وحديثَه أيضًا أنَّه شَهِدَ النَّبِيَّ صلعم يَخْطُبُ يوم النَّحْرِ، فَقَامَ إِلَيهِ رَجُلٌ فَقال: كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا، ثمَّ قَامَ آخَرُ بِمِثْلِهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ، نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أرْمِيَ، وأَشْبَاهَ ذلك، (افْعَلْ وَلَا حَرَجَ) لَهُنَّ كُلِّهِنَّ، فَمَا سُئِلَ يَومَئِذٍ عن شَيءٍ إِلَّا قَالَ: (افْعَلْ ولَا حَرَجَ).
          1738- وحديثَه أيضًا / وقَفَ رَسُولُ اللهِ صلعم على نَاقَتِهِ، فَذَكَرَ الحَدِيثَ، تَابَعَهُ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ.
          يعني أنَّه تابع صالحًا، وهذه المتابعة أخرجها مسلمٌ في «صحيحه» مِنْ حَدِيثِ عبد الرَّزَّاق عنهُ، وفائدة طريق صالحٍ التَّصريحُ بسماعِ ابن شِهَابٍ، من عيسى بن طَلْحَةَ، وقد تقدَّم هذا التَّبويب في كتاب العلم، وأنَّ معناه أنَّه يجوز أن يُسْأَلَ العالِم وإن كَانَ مشتغلًا بطاعة الله [خ¦83]، وقد أجاب السَّائلَ وقال له: (لَا حَرَجَ) وكلُّ ذلك طاعةٌ لله تعالى وكَانَ ذلك عند الجَمْرَة كما سلف هناك، وإليه أشار هنا عند الجَمْرَة، وكَانَ وقوفُه ليعلِّم الناسَ دينَهم، ويجيبهم عن مسائلهم.
          واعترض الإِسماعِيليُّ فقال: ليس في حديثه أنَّه كَانَ على دابَّةٍ، ولا في حديثنا، وفي حديث بُنْدارٍ عن يحيى وعبد الرَّحْمَنِ: ((جلس في حجَّة الوداع فقام رجلٌ...)) الحديث.
          وفِي حَدِيثِ ابنِ جُرَيجٍ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ: ((بَينَمَا هُو يَخْطُبُ يوم النَّحْرِ))، فإنْ قال فيه بعضهم إنَّه وقَفَ على راحلته، فقد يجوز أن يكون ركبَها وجلس عليها ثمَّ وقف، وإِنَّمَا ذُكِرَ ذلك عن صالح بن كَيْسانَ، عن الزُّهْرِيِّ في هذا الحديث، قلتُ: فيه: ((وقف على ناقته))، وهو صريحٌ في المقصود.
          وقوله: (لَمْ أَشْعُرْ) الظاهرُ أنَّه كَانَ جاهلًا لقوله في الرِّواية: (كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا) وإن كَانَ يحتمل النِّسيان أيضًا.
          قال ابنُ التِّينِ: ويحتمل أنَّ المراد بِقوله: (ولَا حَرَجَ) أي لا إثم لأنَّ الحرجَ الإثمُ، ومعظم السُّؤال خوفَ الإثم.
          قال: وقوله: (فَمَا سُئِلَ يَومَئِذٍ عَنْ شَيءٍ) المراد ما بُيِّن فيما مضى لا كلُّ شيءٍ، قال: ولا يقتضي إباحة ذلك لأنَّه إِنَّمَا سُئِلَ عمَّنْ فعله جهلًا، وقد بيَّنَ التَّرتيب المشروع فيه.
          وقوله: (يَخْطُبُ يوم النَّحْرِ) هذِه هي الخطبة الثَّالثة، ومِنَ المالكيَّة مَنْ لا يُطلق عليها اسمَ الخطبة.
          فائدةٌ: البخاريُّ روى الحديث الأخير عن (إسْحَاق) حَدَّثَنَا يعقوبُ، وذكر الجيَّانيُّ أنَّه ابن منصورٍ، نسبه ابن السَّكَنِ والأَصِيليُّ، قال: وذكر أبو نَصْرٍ أنَّ ابن منصورٍ وإسحاقَ بن إبراهيمَ يرويانه عن يعقوبَ، ورواه أبو نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ ابن شِيرَوَيْهِ حَدَّثَنَا إسحاق حَدَّثَنَا يعقوبُ، فيكون إسحاقَ بنَ إبراهيمَ لأنَّ عبدَ الله بنَ محمَّد بنِ شِيرَوَيْهِ روى عنهُ «مسنده» ولم تُعلَم له روايةٌ عن إسحاقَ بن منصورٍ.