التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الركوب والارتداف في الحج

          ░22▒ بابُ الرُّكُوبِ وَالارْتِدَافِ في الحَجِّ
          1543- 1544- ذَكَرَ حديثَ ابنِ عبَّاسٍ: (أنَّ أُسَامَةَ كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صلعم مِنْ عَرفَةَ إلى المُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ المُزْدَلِفَةِ إلى مِنًى، قَالَ: فَكِلاهُمَا قَالَ: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلعم يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ).
          هذا الحديثُ أخرجَه البُخاريُّ هكذا، وأخرجَه مسلمٌ مِنْ حديثِ كُرِيبٍ مولى ابنِ عبَّاسٍ عن أسامةَ ومِنْ حديثِ الفَضْلِ أيضًا.
          أمَّا فقهُه ففيه: أنَّ الحجَّ راكبًا أفضلُ، وقد سَلَفَ الخلافُ فيه في بابِ الحجِّ عَلَى الرَّحْلِ [خ¦1516] [خ¦1518].
          وفيه: إردافُ العالِمِ مَنْ يخدمُه، وقد سَلَفَ الإردافُ في أوَّلِ الحَجِّ [خ¦1513]، ففيه التَّواضعُ بالإردافِ للرَّجلِ الكبيرِ والسُّلطانِ الجليلِ.
          قيلَ: ولم يَبْلُغْ هذا الحديثُ مالكًا لأنَّه قَالَ: يقطعُ التَّلْبيةَ إذا راحَ المصلَّى في روايةِ ابنِ القاسمِ، وإذا راحَ إلى موقفِ عرفةَ في قولِ أشهبَ، وقالَ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وفي كتابِ مُحَمَّدٍ: إذا وقفَ بها وفي «الإشرافِ» عن مالكٍ طبق الحديث، وبه قَالَ الشَّافعيُّ وأبو حنيفةَ واختارَه المتأخِّرون مِنَ المالكيَّةِ، قَالَ القاضي في «معونتِه»: إنَّما قُلْنا: يقطعُها بعد الزَّوال لإجماع الصَّحابةِ، وذَكَرَ مالكٌ أنَّه إجماعُ دارِ الهجرةِ ولأنَّ التَّلْبيةَ إجابةٌ للنِّدَاءِ بالحجِّ وإذا انتهى إلى الموضعِ الَّذي دُعِيَ إليه فقدِ انتهى إلى غايةِ ما أُمِرَ به، فلا معنى لاستدامتِها، فقولُ مَنْ قَالَ: لم يبلغِ الحديثُ مالكًا غيرُ صحيحٍ لأنَّ عَمَلَ أهلِ المدينةِ عندَ مالكٍ مقدَّمٌ عَلَى الحديثِ.
          وقالَ الباجيُّ في «منتقاه»: أكثرُ ما رَأَيْتُ عملَ النَّاسِ قطعُها بعرفةَ، وما تضمَّنَه الحديثُ أظهرُ عندي وأقوى في النَّظرِ، وقالَ الشَّيخُ أبو القاسمِ: فأثرُ قول مالكٍ في قطعِها إلَّا أن يكونَ أحرمَ بالحجِّ مِنْ عرفةَ فيُلبِّي حَتَّى يرميَ جَمْرَةَ العقبةِ فحمل الحديث عَلَى مَنْ هذا حكمُهُ، ولعلَّه تأوَّلَ قولَ الرَّاوي أنَّه ◙ لم يزلْ يُلبِّي حَتَّى رمى جَمْرَةَ العقبةِ أنَّهُ أمرَ بذلك، قُلْتُ: فيه بُعدٌ.