التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فضل الحج المبرور

          ░4▒ بَابُ فَضْلِ الحَجِّ المَبْرُورِ
          1519- ذَكَرَ فيهِ ثلاثةَ أحاديثَ:
          أحدها: حديثُ أبي هريرةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلعم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ فقَالَ: (إِيمَانٌ بالله وَرَسُولِهِ)، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ)، قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ).
          وهذا الحديثُ سلفَ واضحًا في بابِ مَنْ قَالَ: إنَّ الإيمانَ هو العملُ [خ¦26]، و((الحَجُّ المبْرُوْرُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةَ))، كما أخرجاه مِنْ حديثِ أبي هريرةَ بزيادةٍ في أَوَّلِه: ((العُمْرةُ إِلَى العُمْرةِ كفَّارةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا)) وسيأتي [خ¦1773]، ولأحمدَ مِنْ حديثِ جابرٍ قَالُوا: يا رَسُولَ اللهِ ما الحجُّ المبرورُ؟ قَالَ: ((إِطْعامُ الطَّعامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ)) عِلَّتُه مُحَمَّدُ بنُ ثابتٍ، قَالَ أبو حَاتِمٍ: حديثٌ مُنْكَرٌ شبهُ الموضوعِ.
          وفي روايةٍ للخُوزِيِّ: ما بِرُّه؟ قَالَ: ((العَجُّ وَالثَّجُّ)) قَالَ: فإن لم يكن قَالَ: ((طِيْبُ الكَلَامِ))، وللحاكمِ: ((طِيْبُ الكَلَامِ)) بدلَ ((إِفْشَاءُ السَّلَامِ)) ثُمَّ قَالَ: صحيحُ الإسنادِ ولم يحتجَّا بأَيُّوبَ بنِ سُوَيْدٍ، لكن له شَوَاهِدُ كثيرةٌ، وروى سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ مرفوعًا: ((مَا مِن عَملٍ بَينَ السَّمَاءِ والأَرْضِ بَعْدَ الجِهَاد أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ مَبْرُوْرَةٍ، لَا رَفَثَ فِيْهَا وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ)).
          وقولُه: (مَبْرُورٌ) قَالَ ابنُ التِّيْنِ: يحتملُ أنَّ صاحبَه أوقعَه عَلَى وَجْهِ البِرِّ، وأصلُه ألَّا يتعدَّى بغيرِ حرفِ جَرٍّ، ونقلَ عن بعضِهم أنَّه قَالَ: لعلَّه يريدُ بـ (مَبْرُورٌ) وصف المصدر فتَعَدَّى إليه بغيرِ حرفٍ فجعلَه مُتَعَدِّيًا، قَالَ: وحديثُ: ((الحَجُّ المَبْرُوْرُ لَيْسَ لَهُ جَزاءٌ إلَّا الجَنَّةُ))، قيلَ: يريدُ به النَّافِلَةَ لأنَّه سبقَ عَلَى الحجِّ الجهادُ، وليسَ فَرْضُه كفرضِ الحجِّ فيدلُّ ذَلِكَ عَلَى أنَّ هذا الحجَّ نافلةٌ.