التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب فرض مواقيت الحج والعمرة

          ░5▒ بابُ فَرْضِ مَوَاقِيتِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ
          1522- ذَكَرَ فيهِ حَدِيْثَ زَيْدِ بنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ أَتَى عَبْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ فِي مَنْزِلِهِ _وَلَهَ فُسْطَاطٌ وَسُرَادِقٌ_ فَسَأَلْتُهُ: مِنْ أَيْنَ يَجُوزُ أَنْ أَعْتَمِرَ؟ قَالَ: (فَرَضَهَا رَسُولُ اللهِ صلعم لأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ، وَلأَهْلِ المَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ).
          هذا الحديثُ مِنْ أفرادِ البُخاريِّ مِنْ هذا الوجهِ، وزَيْدُ بنُ جُبَيْرٍ _بضمِّ الجيمِ_ ثقةٌ، وهو غيرُ زَيْدِ بنِ جَبِيْرَةَ _بالفتحِ_ الواهِي.
          ومعنى (فَرَضَهَا): وَقَّتَها وبَيَّنَها، فمَنْ تَعَدَّاهُ وأحْرَمَ بعدَه صَحَّ حَجُّه وعليهِ دَمٌ، إلَّا أنَ يعودَ إليهِ قبلَ الطَّوافِ.
          والنَّجْدُ: اسمٌ للمكانِ المرتفعِ، ويُسمَّى المُنْخَفِضُ: غَورًا، وقيلَ: سُمِّي به لصَّلابَةِ الأرضِ وكثرةِ حجارتِه وصعوبتِه، حكاه القزَّازُ قَالَ: وقيلَ: سُمِّي لاستيحاشِ داخلِه، وحُكِيَ ضمُّ نونِ نجدٍ قَالَ الكلبيُّ: وهو ما بينَ الحجَازِ إلى الشَّامِ إلى العُذَيبِ إلى الطَّائِفِ، فالطَّائِفُ مِنْ نجدٍ، وكذا المدينةُ وأرضُ اليمامةِ والبحرين إلى عُمَانَ، ونجدٌ تسعةُ مواضعَ نَبَّهَ عليها ياقوت.
          و(قَرْنَ) هو موضعٌ معروفٌ كانَتْ فيه وقعةٌ لغَطَفَانَ عَلَى بني عامرٍ يُقَالُ له يومُ قَرنٍ _وهو بفتحِ الرَّاءِ وإسكانِها_ والإسكانُ أعرفُ، فمَنْ سَكَّنَ أرادَ المَوْضِعَ ومَنْ فَتَحَ أرادَ به اقترانَ رؤوسِ الجبلين، قَالَ ابنُ التِّيْنِ: رُوِّيناه بالسُّكونِ، وعَنِ الشَّيخِ أبي الحَسَنِ أنَّ الصَّوابَ فتحُها، وعَنِ الشَّيخِ أبي بكرِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ: إن قُلْتَ: قَرْنُ المنازلِ أسكَنْتَ، وإن قُلْتَ: قَرَنًا فَتَحْتَ، وهو عَلَى يومٍ وليلةٍ مِنْ مَكَّةَ.
          و(ذو الحُلَيْفَةَ) ماءٌ مِنْ مياهِ بني جُشَمَ عَلَى ستَّةِ أميالٍ، وقيل: أربعةٍ، وقيل: سبعةٍ مِنَ المدينةِ، ووقعَ في «الشَّاملِ» و«البحرِ» و«الرَّافعيِّ»: أنَّ بينَها وبينَ المدينةِ ميلًا، وهو غريبٌ.
          و(الشَّأمُ) مهموزٌ ويجوزُ تخفيفُه بحذفِها، و(الجُحْفَةُ) قريةٌ جامعةٌ بينَ مَكَّةَ والمدينةَ، سُمِّيت بذلك لأنَّ السَّيلَ أَجْحَفَها أي: استأصَلَها، وذَلِكَ أنَّ العماليقَ أخرجُوا إخوةَ عابدٍ مِنْ يثربَ فنزلُوها، فجاءَ سيلٌ فأَجْحَفَهُم، وهي عَلَى ثمانِ مراحلَ مِنَ المدينةِ، ومِصْرُ والمغربُ كالشَّامِ كما سيأتي في المواقيتِ.
          و(الفُسْطَاطِ) _بضمِّ الفاءِ وكَسِرِها_ الخِبَاءُ و(السُّرَادِقُ) ما يُجْعَلُ حولَ الخِبَاءِ بينَه وبينَه فسحةٌ كالحائطِ، وظاهرُه أنَّ ابنَ عُمَرَ كَانَ معه أهلُه وأرادَ سَتْرَهُنَّ بذلك لا للتَّفاخرِ.
          وأمَّا حكمُ البابِ فإجماعُ أئمَّةِ الفتوى قائمٌ عَلَى أنَّ المواقيتَ في الحجِّ والعُمْرَةِ واجبةٌ، وهي توسعةٌ ورخصةٌ يتمتَّعُ المرءُ بحِلِّها حتَّى يبلغَها، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: ولا أعلمُ أحدًا قَالَ: إنَّ المواقيتَ مِنْ فروضِ الحجِّ، وهذا البابُ ردٌّ عَلَى عطاءٍ والنَّخَعيِّ والحسنِ فإنَّهم زعمُوا أنَّه لا شيءَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الميقاتَ ولم يُحْرِمْ وهو يريدُ الحجَّ والعُمْرَةَ وهو شاذٌّ، ونقلَ ابنُ بَطَّالٍ عَنْ مالكٍ وأبي حَنيفةَ والشَّافعيِّ أنَّهُ يَرجِعُ مِنْ مَكَّةَ إلى الميقاتِ.
          واختلفُوا إذا رجعَ هل عليه دمٌ أم لا؟ فقالَ مالكٌ وروايةٌ عَنِ الثَّوريِّ: لا يسقطُ عنه الدَّمُ برجوعِه إليه مُحرِمًا، وهو قَولُ ابنِ المباركِ، وقالَ أبو حَنيفةَ: إن رجعَ إليه فلبَّى فلا دمَ عليه، وإن لم يلبِّ فعليه الدَّمُ، وقالَ الثَّوريُّ وأبو يوسفَ ومُحَمَّدُ والشَّافعيُّ: لا دمَ عليه إذا رجعَ إلى الميقاتِ بعدَ إحرامِه عَلَى كلِّ وجهٍ أي قبلَ أن يطوفَ بالبيتِ فإن طافَ فالدَّمُ باقٍ ولو رَجَعَ عندَنا.