التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الحج على الرحل

          ░3▒ باب الحَجِّ على الرَّحْلِ
1516- 1517- 1518- وَقَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بنُ دِينَارٍ عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم بَعَثَ مَعَهَا أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْمَرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ، وَحَمَلَهَا عَلَى قَتَبٍ).
          وَقَالَ عُمَرُ: شُدُّوا الرِّحَالَ فِي الحَجِّ، فَإِنَّهُ أَحَدُ الجِهَادَيْنِ.
          وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا عَزْرَةُ بنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أَنَسٍ قَالَ: حَجَّ أَنَسٌ عَلَى رَحْلٍ، وَلَمْ يَكُنْ شَحِيْحًا، وَحَدَّثَ: (أَنَّ رَسُولَ صلعم حَجَّ عَلَى رَحْلٍ فَكَانَتْ زَامِلَتَهُ).
          ثمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حدَّثَنَا أَيْمَنُ بنُ نَابِلٍ _وَهُوَ بالبَاءِ المُوَحَّدَةِ قبلَ اللَّامِ_ حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْتَمَرْتُمْ وَلَمْ أَعْتَمِرْ، قَالَ: (يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، اذْهَبْ بِأُخْتِكِ فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ) فَأَحْقَبَهَا عَلَى نَاقَةٍ، فَاعْتَمَرَتْ.
          الشَّرْحُ: التَّعلِيقُ الأَوَّلُ أخرجَه أَبُو نُعَيْمٍ في «مُستَخرَجِه» مِنْ حديثِ عَبْدَةَ بنِ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا حَرَميُّ بنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا أَبَانُ _يعني ابنَ يَزِيْدَ العَطَّارَ_ فذكرَه.
          والتَّعلِيقُ الثَّانِي وهو قولُه: وقالَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ _وَهُوَ المُقَدَّميُّ شيخُ البُخَارِيِّ_ ووقعَ في بعضِ النُّسَخِ: <حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ> وقد وصلَه أيضًا الإسماعيليُّ فرواه عن يُوسُفَ القاضي وغيره عنه، وقَالَ أَبُو نُعَيمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ هَارُوْنَ وأبو الفَرَجِ النَّسَائِيُّ حَدَّثَنَا يُوسُفُ القاضي حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ... فذكرَه، وروى حَجَّهُ عَلَى رَحْلٍ ابنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ حَدَّثَنَا رَبِيْعٌ عن يَزِيْدَ بنِ أَبَانَ عن أَنَسٍ قَالَ: حَجَّ رَسُولُ اللهِ صلعم عَلَى رَحْلٍ وَقَطِيفةٍ تَسْوِيَان _أو قَالَ: لا تَسْوِي_ إلَّا أربعةَ دَرَاهِمَ زادَ ابنُ مَاجَهْ: ((اللَّهمَّ حَجَّةً لَا رِيَاءَ فيها وَلَا سُمْعةَ)).
          قَالَ ابنُ أبي شَيبَةَ: وحَدَّثَنَا وكيعٌ عَنْ سفيانَ عَنْ أبي سنانٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الحارثِ أنَّ النَّبِيَّ صلعم: حَجَّ عَلَى رَحْلٍ فَاهتَزَّ _وقالَ مرَّةً فَأَجْنَحَ_ فقالَ: ((لَا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ)).
          وحديثُ عائشةَ أخرجَه الإسماعيليُّ أيضًا في «مُستَخرَجِه» عَنِ القَاسِمِ بنِ زكريَّا عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الأعلى حدَّثنا المعتمِرُ عَنْ أيمنَ به، وصَرِيحُ إيرادِ البُخَارِيِّ أنَّهُ أخرجَ لأيمنَ استقلالًا لا كما قَالَ المِزِّيُّ: إِنَّه متابعةٌ.
          والرَّحْلُ: مركبٌ للبعيرِ لا غيرُ، والرِّحَالُ: جمعُ رَحْلٍ، والقَتَبُ _بالتَّحرِيكِ_: رَحْلٌ صغيرٌ عَلَى قَدْرِ السَّنَامِ، قالَه في «المنتهى»، والجمعُ أقتابٌ، ويجوزُ تأنيثُه عندَ الخليلِ، وغيرُه يَرَى أنَّ قُتَيبَةَ تصغيرُ قَتَبٍ وهو المِعَاءُ، وحكى ابنُ سِيدَهْ: كسرَ القافِ وإسكانَ التَّاءِ أيضًا، وقالَ: هو إِكَافُ البعيرِ، قالَ: وقيلَ: هو الإِكَافُ الصَّغِيرُ الَّذي عَلَى قَدْرِ سنامِ البعيرِ، وقالَ في «المُخَصَّصِ»: وقيلَ: القَتَبُ لبعيرِ الحَمْلِ، والقِتْبُ لبعيرِ السَّانِيَةِ والزَّامِلَةُ: الدَّابَّة الَّتي يُحمَلُ عليها مِنَ الإبلِ وغيرِها، قَالَ القَزَّازُ: وهي بعيرٌ يُستَظهَرُ به أي يَحمِلُ متاعَه وطعامَه عليه وجَزَمَ به ابنُ التِّيْنِ.
          وهذا البابُ معقودٌ / لفضلِ الحجِّ عَلَى الرَّوَاحِلِ، وفَعَلَهُ الشَّارِعُ تواضعًا لرَبِّه تَعَالَى وإتعابًا لنَفْسِه وضَنًا لبدنِه شُكرًا، ويَضحَى: يُصِيبُه الحرُّ والبردُ، ولئلَّا يَتَعَجَّلَ شيئًا مِنْ حسناتِه وتتأسَّى به أُمَّتُه.
          ومعنى (أَحْقَبَهَا): أَردَفَهَا، و(التَّنْعِيم): موضعٌ بقربِ مَكَّةَ مِنْ جهةِ المدينةِ، وهو أَوَّلُ الحِلِّ.
          وقولُ عُمَرَ: (فَإِنَّهُ أَحَدُ الجِهَادَيْنِ) يعني: الحجَّ سَمَّاهُ جهادًا لأنَّه يجاهدُ فيه نَفْسَه بالصَّبرِ عَلَى مَشَقَّةِ السَّفَرِ وتركِ الملاذِّ ودَرْءِ الشَّيطَانِ عَنِ الشَّهَوَاتِ.