التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من ساق البدن معه

          ░104▒ بَابُ: مَنْ سَاقَ البُدْنَ مَعَهُ.
          1691- 1692- ذَكَرَ فيه حديثَ ابنِ شِهَابٍ، عن سَالِم بْنِ عَبْدِ اللهِ، أَنَّ ابنَ عمر ☻ قال: (تَمَتَّعَ رَسُولُ اللهِ صلعم في حَجَّةِ الودَاعِ، بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ وأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الهَدْيَ مِنْ ذِي الحُلَيفَةِ...) الحديث بطولِه. وفي آخِره: (وَعَنْ عُرْوةَ، أَنَّ عائشةَ أخْبَرَتْهُ عَن رَسُولِ اللهِ صلعم في تَمَتُّعِهِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ، بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عن رَسُولِ اللهِ صلعم).
          قال أبو نُعَيمٍ الأصْبَهَانِيُّ: خرَّجَه البخاريُّ مسندًا عَنِ ابنِ بُكَيرٍ، عنِ اللَّيث، عن عُقَيلٍ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ، عن عُرْوةَ فذَكَره، ومُسْلُمٌ سَاقَه بِطُولِه، إلى حَدِيث عُرْوةَ عن عائشةَ.
          ومعنى (تَمَتَّعَ) أي أَمَرَ به وأَباحَهُ، وكذلك معنى قَرَنَ بَينَه، أنَّه قال: فكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدى وما في آخِره مِنْ تعليمِ النَّاس يُفَسِّرُ ما في أوَّلِهِ مِنْ إِشكالِ (تَمَتَّعَ)، وقد صحَّ عَنِ ابنِ عمر أنَّه ردَّ قولَ أَنَسٍ أنَّه صلعم (تَمَتَّعَ)، وقال: ((أَهَلَّ بِالحَجِّ وأَهْلَلْنَا)) كما سلف، فتعيَّنَ التَّأويلُ، وقال المُهَلَّبُ والدَّاوُدِيُّ: معنى (تَمَتَّعَ) هاهنا: قَرَنَ، وقِيلَ له مُتمَتِّعٌ لأنَّه لا يُسقِطُ عَمَلَ العُمْرَةِ المُنْفَرِدَةِ، ولا يَعْمَلُ في الحَجِّ إلَّا عَمَلًا واحِدًا.
          وقوله: (مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فإنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيءٍ حَرُمَ مِنْهُ حتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ) ولم يَقُلْ: وعُمْرَتَه، وهو دالٌّ على أنَّه لم يَتمتَّع لأنَّه سَاقَ الهَدْي، ولم يَحِلَّ كما حلَّ مَنْ لم يَسُقْه.
          وقوله: (فَلْيَطُفْ بِالْبَيتِ، وَبِالصَّفَا وَالمَرْوةِ) ظاهرٌ في وجوبِ السَّعْيِ.
          وقوله: (وَبَدَأَ رَسُولُ اللهِ صلعم فَأَهَلَّ بِالحَجِّ) ثمَّ قال ابنُ بَطَّالٍ: إِنَّمَا يُريد أنَّه بدأ حِينَ أَمَرهم بالتَّمتُّع أنْ يُهِلُّوا بِالعُمْرَةِ أوَّلًا، ويقدِّمُوها قَبْل الحجِّ، وأنْ يُنشِئوا الحجَّ بعدَها إذا حَلُّوا مِنْهَا.
          وقوله: (فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم) أي تمتَّعوا بحَضرتِه.
          وأمَّا قوله: (وعَنْ عُرْوَةَ) إلى مِثْلِ خَبَرِ سالِمٍ عن أبيه، فنَعَم، هو مِثلُه في الوهْمِ لأنَّ أحاديثَ / عائشةَ كلَّها مِنْ روايةِ عُرْوةَ والأسوَدِ والقَاسِمِ وعَمْرَةَ مُسقِطةٌ لهذا الوهمِ لأنَّهم يروونَ عنهَا: ((خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ))، وروايةُ أبي الأسودِ عن عُرْوةَ عنهَا: ((أنَّهُ أَهَلَّ بِالحَجِّ)) مخالِفةٌ لروايةِ ابنِ شِهَابٍ، عن عُرْوةَ عنهَا في تمتُّعِه بِالعُمْرَةِ، وموافِقةٌ لرِوايةِ الجَماعةِ عن عائشةَ.
          وأمَّا ترجمةُ البابِ فسَاقَها لِيُعْرَفَ أنَّ السُّنَّةَ في الهَدْي أنْ يُسَاقَ مِنَ الحِلِّ إلى الحَرَمِ، واختَلف العلماءُ في ذلك فقال مَالِكٌ: مَنِ اشتَرى هَدْيَه بمَكَّةَ أو بمِنًى ونَحَرَه، ولم يقِفْ به بِعَرَفَةَ في الحِلِّ فعليه بَدَلُه.
          وهو مَذْهبُ ابنِ عمر وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ، وبه قال اللَّيثُ، ورُوِيَ عنِ القَاسِمِ أنَّه أَجَازَهُ، وإنْ لم يوقَفْ به بِعَرَفَةَ، وبه قال أبو حنيفةَ والثَّورِيُّ والشَّافعيُّ وأبو ثَورٍ، قال الشَّافعيُّ: وقْفُ الهَدْي بِعَرَفَةَ سُنَّةٌ لِمَنْ شَاءَ، إذا لم يَسُقْه مِنَ الحِلِّ، وقال أبو حنيفةَ: ليسَ بسُنَّةٍ لأنَّه ◙ إِنَّمَا سَاقَ الهَدْي مِنَ الحِلِّ لأنَّ مَسكَنَه كَانَ خارِجَ الحَرَمِ، والحُجَّةُ لِمَالِكٍ أنَّه ◙ سَاقَه مِنَ الحِلِّ إلى الحَرَمَ، وقال: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)).