التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب

          ░27▒ بابُ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ قَبْلَ الإِهْلاَلِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ
          1551- ذَكَرَ فيهِ حديثَ أنسٍ مطوَّلًا وقَدْ أسلَفْنَاه قريبًا في بابِ: مَنْ باتَ بذي الحُلَيْفَةِ ببيان متابعتِه أيضًا [خ¦1546].
          وغرضُ البخاريِّ بهذه التَّرجمةِ _والله أعلم_ الرَّدُّ عَلَى أبي حنيفةَ في قولِه: إنَّ مَنْ سَبَّحَ أو كَبَّرَ أو هَلَّلَ أجزأَه مِنْ إهلالِه، فأثبتَ البُخاريُّ أنَّ التَّسبيحَ والتَّحميدَ منه إنَّما كَانَ قبل الإهلالِ لقولِه في الحديثِ بعد أن سَبَّحَ وكَبَّرَ: (ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ).
          ويمكن أن يكون فعل تحميدَه وتكبيرَه عندَ ركوبِه أخذًا بقولِه تَعَالَى: {ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزُّخرف:13] ويمكن أن يكون يُعَلِّمُنَا منه جوازَ الذِّكرِ والدُّعاءِ مع الإهلالِ وأنَّ الزِّيادةَ عليه مستحبَّةٌ بخلافِ ما سلفَ، نَبَّهَ عليه ابنُ بَطَّالٍ.
          وقوله: (ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا) قد ردَّ عليه ابنُ عُمَرَ هذا القول، وقال: كان أنسٌ حينئذٍ يدخلُ عَلَى النِّسَاءِ وهنَّ منكشفاتٌ، يَنسِبُ إليه الصِّغرَ وقلَّةَ الضَّبط حَتَّى نَسَبَ إلى رسولِ الله صلعم الإهلالَ بالقِرَانِ، وفيه نظرٌ ستعلمُه في البابِ بعدَه.
          قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: وممَّا يدلُّ عَلَى قلَّةِ ضبطِ أنسٍ للقصَّةِ قولُه في الحديثِ: (فلمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم النَّاس فحَلُّوا، حَتَّى كَانَ يومُ التَّرْويةِ أَهَلُّوا بالحَجِّ)، وهذا لا معنى له، ولا يُفهمُ إن كَانَ النَّبِيُّ وأصحابُه قَارِنين كما زعمَ أنسٌ لأنَّ الأمَّةَ متَّفِقَةٌ عَلَى أنَّ القَارِنَ لا يجوزُ له الإحلالُ حَتَّى يفرغَ مِنْ عملِ الحجِّ كلِّه، كَانَ معه الهَدْي أو لم يكن، فلذلك أنكر عليه ابن عُمَرَ، وإنَّما حلَّ مَنْ كَانَ أفردَ الحجَّ وفَسَخَه في عُمْرَةٍ ثُمَّ تمتَّعَ.
          وقالَ ابنُ التِّيْنِ: إن صَحَّ فمعناه: أباحَ النَّبِيُّ صلعم أن يهلَّ غيرُه بحجٍّ وعمرةٍ، فتكون الإباحةُ هنا بمعنى الفعل كما يُقَالُ: كتب رَسُولُ اللهِ صلعم وقتل العُرَنيِّين، ونزحَ عثمانُ البئر، وعلَّله البُخاريُّ بأنَّه عن أيُّوب عن رجلٍ عن أنسٍ، فأعلَّه بجهالةِ الرَّجُلِ: قُلْتُ: لكنَّه أبو قِلَابَةَ فيما يظهرُ.
          وقولُه: (وَنَحَرَ النَّبِيُّ صلعم بِيَدِهِ سَبْعَ بَدَنَاتٍ قِيَامًا) هذه السُّنَّةُ في نحرِ الإبلِ قائمةً لأنَّه أمكنُ لنحرِها، لأنَّهُ يطعن في لَبَّتِها وتكون معقولة اليد اليسرى وحكى ابن التِّيْنِ عن مالكٍ _فيما رواه مُحَمَّدٌ عنه_ أنَّ الشَّأنَ أن ينحرَ البُدْنَ قائمةً، قد عُقِلَ يداها بالحبلِ، وقالَه ابنُ حَبِيبٍ، وهو تفسيرُ قولِه تَعَالَى: {صَوَافَّ} [الحجّ:36] قَالَ: وروى أيضًا مُحَمَّدٌ عن مالكٍ: لا يعقلها إلَّا مَنْ خاف أن يضعف عنها والأفضل أن يتولَّى ذبحها بنفسه كما فعل صلعم قَالَ ابن التِّيْنِ: وفي غير هذا الموضع أنَّها كانت سبعين بَدَنةً وفي «الموطَّأِ» عن عليٍّ أنَّه ◙ نحرَ بعضَ هَدْيه، ونحرَ بعضَه غيرُه ورُوِيَ أن عليًّا نحر باقيها، وفي الجمع بين هذِه الأحاديث الثَّلاثة تكلُّفٌ.
          قُلْتُ: لا تكلُّف / وللهِ الحمدُ، فقد أهدى مئةَ بدنةٍ فنحرَ ثلاثًا وستِّين بيدِه، كلُّ واحدةٍ عن سنةٍ مِنْ عمرِه، وفيه إشارةٌ إلى قَدْرِ عمرِه، وأعطى عليًّا فنحرَ الباقي ليُبيِّنَ الجوازَ فيه.
          وقوله: (ذَبَحَ بِالمَدِينَةِ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ) جاء في روايةٍ أخرى: ((ذَبَحَ أَحَدَهما عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ والآخرَ عَمَّنْ لم يُضَحِّ مِنْ أُمَّتهِ))، والأملحُ: الأغبرُ، وهو الَّذي فيه سوادٌ وبياضٌ.