-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
باب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
→كتاب مواقيت الصلاة←
-
→كتاب الأذان←
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
باب في العيدين وتجمل فيه
-
باب ما جاء في الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
باب الصلاة في الكسوف الشمس
-
باب ما جاء في سجود القرآن وسنتها
-
أبواب تقصير الصلاة
-
باب التهجد بالليل
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب استعانة اليد في الصلاة
-
باب في السهو إذا قام من ركعتي الفرض
-
كتاب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
باب وجوب الحج وفضله
-
باب قول الله تعالى: {يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر}
-
باب الحج على الرحل
-
باب فضل الحج المبرور
-
باب فرض مواقيت الحج والعمرة
-
باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}
-
باب مهل أهل مكة للحج والعمرة
-
باب الصلاة بذي الحليفة
-
باب خروج النبي على طريق الشجرة
-
باب قول النبي: العقيق واد مبارك
-
باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب
-
باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم ويترجل ويدهن
-
باب من أهل ملبدًا
-
باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة
-
باب ما لا يلبس المحرم من الثياب
-
باب الركوب والارتداف في الحج
-
باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر
-
باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح
-
باب رفع الصوت بالإهلال
-
باب التلبية
-
باب التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال عند الركوب
-
باب من أهل حين استوت به راحلته
-
باب الإهلال مستقبل القبلة
-
باب التلبية إذا انحدر في الوادي
-
باب: كيف تهل الحائض والنفساء
-
باب من أهل في زمن النبي كإهلال النبي
-
باب قول الله تعالى: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج}
-
باب التمتع والإقران والإفراد بالحج
-
باب من لبى بالحج وسماه
-
باب
-
باب قول الله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}
-
باب الاغتسال عند دخول مكة
-
باب دخول مكة نهارًا أو ليلًا
-
باب: من أين يدخل مكة؟
-
باب فضل مكة وبنيانها
-
باب فضل الحرم
-
باب توريث دور مكة وبيعها
-
باب نزول النبي مكة
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا}
-
باب قول الله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام}
-
باب كسوة الكعبة
-
باب هدم الكعبة
-
باب ما ذكر في الحجر الأسود
-
باب إغلاق البيت ويصلي في أي نواحي البيت شاء
-
باب الصلاة في الكعبة
-
باب من لم يدخل الكعبة
-
باب من كبر في نواحي الكعبة
-
باب كيف كانَ بدء الرمل
-
باب استلام الحجر الأسود حين يقدم مكة أول ما يطوف ويرمل ثلاثًا
-
باب الرمل في الحج والعمرة
-
باب استلام الركن بالمحجن
-
باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين
-
باب تقبيل الحجر
-
باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه
-
باب التكبير عند الركن
-
باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة قبل أن يرجع إلى بيته
-
باب طواف النساء مع الرجال
-
باب الكلام في الطواف
-
باب: لا يطوف بالبيت عريان ولا يحج مشرك
-
باب: إذا وقف في الطواف
-
باب: صلى النبي لسبوعه ركعتين
-
باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة
-
باب من صلى ركعتي الطواف خارجًا من المسجد
-
باب من صلى ركعتي الطواف خلف المقام
-
باب الطواف بعد الصبح والعصر
-
باب المريض يطوف راكبًا
-
باب سقاية الحاج
-
باب ما جاء في زمزم
-
باب طواف القارن
-
باب الطواف على وضوء
-
باب وجوب الصفا والمروة وجعل من شعائر الله
-
باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة
-
باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.
-
باب الإهلال من البطحاء وغيرها للمكي وللحاج إذا خرج
-
باب: أين يصلي الظهر يوم التروية؟
-
باب الصلاة بمنى.
-
باب صوم يوم عرفة
-
باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة
-
باب التهجير بالرواح يوم عرفة
-
باب الوقوف على الدابة بعرفة
-
باب الجمع بين الصلاتين بعرفة
-
باب قصر الخطبة بعرفة
-
باب الوقوف بعرفة
-
باب السير إذا دفع من عرفة
-
باب النزول بين عرفة وجمع
-
باب أمر النبي بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط
-
باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة
-
باب من جمع بينهما ولم يتطوع
-
باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما
-
باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون
-
باب من يصلي الفجر بجمع
-
باب: متى يدفع من جمع؟
-
باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة
-
باب: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}
-
باب ركوب البدن
-
باب من ساق البدن معه
-
باب من اشترى الهدي من الطريق
-
باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم
-
باب فتل القلائد للبدن والبقر
-
باب إشعار البدن
-
باب من فتل القلائد بيده
-
باب تقليد الغنم
-
باب القلائد من العهن
-
باب تقليد النعل
-
باب الجلال للبدن
-
باب من اشترى هديه من الطريق وقلدها
-
باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن
-
باب النحر في منحر النبي بمنى
-
باب نحر الإبل مقيدة
-
باب لا يعطى الجزار من الهدي شيئًا
-
باب: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكانَ البيت}
-
باب: ما يأكل من البدن وما يتصدق
-
باب الذبح قبل الحلق
-
باب من لبد رأسه عند الإحرام وحلق
-
باب الحلق والتقصير عند الإحلال
-
باب تقصير المتمتع بعد العمرة
-
باب الزيارة يوم النحر
-
باب: إذا رمى بعد ما أمسى أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا أو جاهلًا
-
باب الفتيا على الدابة عند الجمرة
-
باب الخطبة أيام منى
-
باب: هل يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟
-
باب رمي الجمار
-
باب رمي الجمار من بطن الوادي
-
باب رمي الجمار بسبع حصيات
-
باب: يكبر مع كل حصاة
-
باب من رمى جمرة العقبة ولم يقف
-
باب: إذا رمى الجمرتين يقوم ويسهل مستقبل القبلة
-
باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى
-
باب الدعاء عند الجمرتين
-
باب الطيب بعد رمي الجمار والحلق قبل الإفاضة
-
باب طواف الوداع
-
باب: إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت
-
باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح
-
باب المحصب
-
باب النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة
-
باب من نزل بذى طوى إذا رجع من مكة
-
باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية
-
باب الإدلاج من المحصب
-
باب وجوب الحج وفضله
-
أبواب العمرة
-
باب المحصر وجزاء الصيد
-
باب جزاء الصيد
-
فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارات
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
باب في الشرب
-
كتاب الاستقراض
-
باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة
-
باب في اللقطة وإذا أخبره رب اللقطة بالعلامة
-
كتاب المظالم والغضب
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة
-
كتاب العارية
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الانصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الرضاع
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░75▒ بابُ سِقَايَةِ الحَاجِّ
1634- ذَكَرَ فيهِ حديثَ ابنِ عُمَرَ: اسْتَأْذَنَ العَبَّاسُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَسُولَ اللهِ صلعم أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ.
1635- وحديثَ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم جَاءَ إِلَى السِّقَايَةِ فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ العَبَّاسُ: يَا فَضْلُ اذْهَبْ إلى أُمِّكَ، فَأْتِ رَسُولَ الله صلعم بِشَرَابٍ مِنْ عِنْدِهَا... الحديثَ.
أمَّا حديثُ ابنِ عُمَرَ فأخرجَه مسلمٌ، وأمَّا حديثُ ابنِ عبَّاسٍ فهو مِنْ أفراده، وانفردَ مسلمٌ مِنْ وجهٍ آخر عَنِ ابن عبَّاسٍ يأتي، ومِنْ حديثِ جابرٍ: ((انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَهُم)).
والثَّاني: رواه البُخاريُّ عن إسحاقَ: حدَّثَنَا خالدٌ عن خالدٍ عن عِكْرِمَةَ، وإسحاقُ هو ابنُ شاهينٍ أبو بِشرٍ الواسطيُّ ذكرَه أبو نُعَيمٍ، وخالدٌ هو ابنُ عبدِ اللهِ الطَّحَّانُ، وخالدٌ الثَّاني هو ابنُ مِهْرَانَ الحذَّاءُ.
إذا عرفت ذَلِكَ فالسِّقايةُ كانت للعبَّاسِ مَكْرُمَةً يسقي النَّاسَ نبيذَ التَّمْرِ، فأقرَّها ◙ في الإسلامِ، وموضوعُها مِنْ بابِ إكرامِ الضَّيفِ واصطناعِ المعروفِ.
إسحاقَ في «سِيَرِهِ»: لَمَّا وَلِيَ قُصَيُّ بنُ كِلَابٍ البيتَ كانت إليه الحِجَابةُ والسِّقَايةُ والرِّفَادَةُ والنَّدْوَةُ واللِّواءُ، فأعطى ابنَه عبدَ الدَّارِ بنَ قُصَيٍّ ذَلِكَ كلَّه، فلَمَّا هَلَكَ قُصَيٌّ نازَعَتْ بنو عبدِ مَنَافٍ بني عبدَ الدَّارِ ذَلِكَ، فتصالحوا عَلَى أن يكون لبني عبدِ مَنَافٍ السِّقاية والرِّفادة، ولأولئك الحجابةُ واللِّواءُ والنَّدوةُ.
قَالَ طاوسٌ: والشُّربُ مِنْ سقايةِ العبَّاسِ مِنْ تمامِ الحجِّ، قَالَ عطاءٌ: لقد أَدرَكْتُ هذا الشَّرابَ، وإنَّ الرَّجُلَ ليشربُ فتلتزق شفتاه مِنْ حلاوتِه، فلمَّا ذهبت الخزنةُ ووليهُ العبيدُ تهاونُوا بالشَّرابِ واستخفُّوا به، وروى ابنُ أبي شَيبَةَ عَنِ السَّائِبِ بنِ عبدِ اللهِ: أنَّه أمر مجاهدًا مولاه بأن يشربَ مِنْ سقايةِ آل عبَّاسٍ، ويقولُ: إنَّه مِنْ تمامِ السُّنَّةِ، وفي لفظٍ: فقد شرب منها المسلمون.
وقال الرَّبيعُ بنُ سَعْدٍ: أتى أبو جعفرٍ السِّقايةَ فشَرِبَ وأعطى جعفرًا فضله، وقال بكرُ بنُ عبدِ اللهِ: أحبُّ للرَّجُلِ أن يشربَ مِنْ نبيذِها، وممَّنْ شَرِبَ منها سعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وأمر به سُوَيدُ بنُ غَفَلَةٍ.
وروى ابنُ جُرَيْجٍ عن نافعٍ: أنَّ ابنَ عُمَر / لم يكن يشرب مِنَ النَّبيذِ في الحجِّ، وكذا روى خالدُ بنُ أبي بكرٍ: أنَّه حَجَّ مع سالمٍ ما لا يُحصى، فلم يَرَه يشربُ مِنْ نبيذِ السِّقايةِ.
وروى الطَّبَريُّ مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ في قصَّةِ السِّقايةِ أتمَّ ممَّا ذكرَه البُخاريُّ: حدَّثنا أبو كُرَيبٍ حَدَّثَنَا أبو بكرِ بنُ عيَّاشٍ عن يزيدَ بنِ أبي زيادٍ عن عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا طافَ رَسُولُ اللهِ صلعم أَتَى العبَّاسَ وهو في السَّقَايَةِ فقالَ: ((اسْقُونِي)) فقالَ العبَّاسُ: إنَّ هذا قد مُرِتَ _يعني مُرِسَ_ أفلا أسقيك ممَّا في بيوتِنا؟ قَالَ: ((لَا، وَلَكِن اسْقُونِي ممَّا يَشْربُ النَّاسُ)) فأتى به، فذاقَه فقَطَّبَ، ثُمَّ دعا بماءٍ فكَسَرَه، ثُمَّ قَالَ: ((إذا اشتدَّ نَبِيذُكُمْ فاكْسِرُوهُ بِالماءِ))، وتقطيبُه منه إنَّما كانَ لحُمُوضَتِهِ فقط وكسره قيل: بغيرِه لِيهون عليه شربُه، ومثل ذَلِكَ يُحمَلُ عَلَى ما رُوِيَ عن عُمَرَ وعليٍّ فيه لا غيرُ.
وإنَّما أذِنَ للعبَّاسِ في المغيب عن مِنًى وهو واجبٌ، ولم يوجب عليه الهدي مِنْ أجل السِّقاية لأنَّها عملٌ مِنْ أعمال الحجِّ ألا ترى قوله إذْ ورد زمزمَ وهم يسقُون: (اعْمَلُوا فَإِنَّكُمْ عَلَى عَمَلٍ صَالِحٍ).
وقولُه: (لَوْلا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ) أي: لاستقاء الماء، فهذه ولايةٌ للعبَّاسِ وآلِهِ للسِّقاية، وإنَّما خشي أن يتَّخذَها الملوكُ سُنَّةً يَغلبون عليها مَنْ وَلِيَها مِنْ ذرِّيَّة العبَّاسِ، ولا تختصُّ رخصةُ السَّقي للعباسيَّةِ عَلَى الأصحِّ لأنَّ المعنى عامٌّ، وقيل: تختصُّ ببني هاشمٍ مِنْ آلِ عبَّاسٍ وغيرِهم، وقيل: بآلِ العبَّاسِ، ولا تختصُّ أيضًا بتلك السِّقاية عَلَى الأصحِّ بل ما حدث للحاجِّ كذلك.
فوائدُ: الأولى: هذا الحديث أصلٌ في أنَّ المبيتَ بمِنًى لياليَ مِنًى مأمورٌ به، وإلَّا فكان يجوز للعبَّاس ذَلِكَ ولغيره دون إرخاصٍ له، وإذا تَرَكَ غيرُ مَنْ رُخِّصَ له الثَّلاثَ ليالٍ فَدَمٌ واحدٌ عَلَى الأصحِّ، وفي قولٍ: لكلِّ ليلةٍ دمٌ، وإن تركَ ليلةً فالأظهرُ أنَّه يُجبَرُ بمُدٍّ، وفي قولٍ: بدرهمٍ ونُقِلَ عن عطاءٍ، وفي قولٍ: بثلثِ دمٍ، وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس، وقال أبو حنيفةَ: لا شيء عليه.
وقال ابنُ عبَّاسٍ: المبيتُ بمكَّةَ مباحٌ ليالي منًى وعن عِكْرِمَةَ نحوه، ومَنَعَ عُمَرُ في «الموطَّأ»: أن يبيتَ وراءَ العَقَبَةِ، وهو إجماعٌ لعدمِ الخلافِ فيه إلَّا شيئًا عَنِ ابنِ عبَّاسٍ وعِكْرِمَةَ.
الثَّانيةُ: لا يحصلُ المبيتُ إلَّا بمعظمِ اللَّيلِ، وفي قولٍ: أنَّ الاعتبارَ بوقتِ طلوعِ الفجرِ، وفي «المدوَّنة»: مَنْ بات عنها جُلَّ اللَّيلِ فعليه دمٌ.
الثَّالثةُ: الجمرة الأولى الَّتي تلي مسجد الخَيف، والثَّانية الوسطى وهما بمِنًى، وثالثها جمرةُ العَقَبَةِ وليست مِنْ مِنًى، فمِنًى مِنْ بطن مُحَسِّرٍ إلى العَقَبَةِ.
وقال ابنُ التِّيْنِ: المبيتُ بمنًى هو أن يبيتَ مِنْ جمرةِ العَقَبَةِ إليها، وقال مالكٌ: مَنْ بات وراءَ الجمرةِ عليه الفديةُ لأنَّه بات بغيرِ منًى.
وروى ابنُ أبي شَيبَةَ مِنْ حديث ليثٍ عن طاوسٍ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قَالَ: لا يبيتنَّ أحدٌ مِنْ وراءِ العَقَبَةِ ليلًا بمِنًى أيَّامَ التَّشريقِ، ومِنْ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ عن نافعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّ عُمَرَ كَانَ ينهى أن يبيتَ أحدٌ مِنْ وراءِ العَقَبَةِ، وكان يأمرهم أن يدخلوا مِنًى، وعن عُرْوَةَ: لا يبيتنَّ أحدٌ مِنْ وراءِ العَقَبَةِ أيَّام التَّشريق، وقال إبراهيمُ: إذا باتَ دون العَقَبَةِ أهراق لذلك دمًا، وعن عطاءٍ: يتصدَّقُ بدرهمٍ أو نحوه، وعن سالمٍ: يتصدَّقُ بدرهمٍ.
الرَّابعةُ: قَالَ ابنُ عبَّاسٍ: مَنْ كَانَ له مُنَاخٌ بمكَّةَ يخشى عليه ضياعه بات بها، ومقتضاه إباحتُه للعذرِ وعليه دمٌ عَلَى مقتضى قولِ ابنِ نافعٍ في «مبسوطِه»: مَنْ زارَ البيتَ فمرضَ وباتَ بمكَّةَ فعليه هديٌ يسوقُه مِنَ الحلِّ إلى الحرمِ، وإن باتَ اللَّياليَ كلَّها بمكَّة، قَالَ الدَّاوُديُّ: فقيلَ: عليه شاةٌ، وقيلَ: بدنةٌ.
وروى ابنُ المُغَلِّسِ في «مُوَضَّحِهِ» عَنِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّه كَانَ لا يرى بأسًا إن باتَ بمكَّةَ وظلَّ إذا رمى، وعن سعيدٍ عن قَتَادَةَ: أنَّه كَانَ يكرَه إذا زارَ البيتَ أن يبيتَ بمكَّةَ، قُلْتُ: فإن بات بها قَالَ: ما عَلِمْتُ عليه شيئًا، وروى ابنُ أبي شَيبَةَ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ قَالَ: إذا رَمَيْتَ الجمارَ بِتْ حيثُ شئتَ.
وعن عطاءٍ: لا بأسَ أن يبيتَ الرَّجُلُ بمكَّة لياليَ منًى إذا كَانَ في ضيعتِه، وعَنِ ابنِ عُمَرَ: أنَّه كَانَ يكره أن ينامَ أحدٌ أيام منًى بمكَّة، ومِنْ حديث ليثٍ عن مجاهدٍ: لا بأس أن يكون أوَّل النَّهار بمكَّة وآخره بمنًى، ولا بأس أن يكون أوَّل اللَّيل بمِنًى وآخره بمكَّة، وعنه أنَّه كره أن يبيت ليلةً تامَّة عن منًى، وعن مُحَمَّدِ بنِ كعبٍ: مِنَ السُّنَّة إذا زرت البيت ألَّا تبيت إلَّا بمنًى، وعن أبي قِلَابَةَ: اجعلوا أيَّام مِنًى بِمنًى.
الخامسةُ: هذا الماء مُرصَدٌ لمصالح المسلمين أرصده العبَّاسُ للمارَّةِ وابنِ السَّبيلِ، لا يُقَالُ: إنَّه مِنَ الصَّدقات، فإنَّها محرَّمةٌ عليه، الفرضُ والتَّطوُّع.
وفيه: أنَّه لا يكره الاستسقاء، وقد استسقى اللَّبنَ في مخرجه إلى المدينة، وفيه: استعمال التَّواضع فإنَّهم كانوا يجعلون أيديهم فيه، وشَرِبَ منه ولم يختصَّ بماءٍ، كما أشار إليه العبَّاسُ تسهيلًا للنَّاس، وفيه: ردُّ ما قد يُهدى له، وفيه: حرصُ أصحابِه وقرابتِه عَلَى إبراره، وفيه: مِنَ التَّواضع أيضًا قوله: (لَوْلا أَنْ تُغْلَبُوا لَنَزَلْتُ حَتَّى أَضَعَ الحَبْلَ عَلَى هَذِهِ يَعْنِي: عَاتِقَهُ)، وفيه: أنَّ أفعالَه للوجوبِ، فتركَه مع الرَّغبَةِ في الفضلِ شفقةً أن يُتَّخَذَ واجبًا للاقتداءِ، نبَّه عليه الخَطَّابيُّ.
وقالَ الدَّاوُدِيُّ: يريد إنَّكم لا تدعوني إلى الاستقاءِ، ولا أحبُّ أن أفعلَ بكم ما تكرهون، وهذا إنَّما يجيءُ إذا كانَ (تُغْلَبُوا) مَبْنِيًّا للفاعلِ، والرِّوَايَةُ المعروفةُ مَبْنِيًّا للمفعولِ الَّذي لم يُسَمَّ فاعلُه.
قَالَ ابنُ بَزِيزَةَ: وأراد بقوله: (لَوْلا أَنْ تُغْلَبُوا) قَصْرَ السِّقايةِ عليهم، وألَّا يشاركوا فيها.
وقوله: (يَعْنِي عَاتِقَهُ) / أي: ما قاربه.
قَالَ ابنُ سِيرِينَ: خرج عليٌّ مِنْ مكَّةَ إلى المدينة فقال للعبَّاسِ: يا عمِّ ألا تهاجر؟ ألا تمضي لرسول الله صلعم؟ فقال: أنا أعمرُ البيتَ وأحجبُه فنَزَلَتْ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ} [التَّوبة:19] الآيةَ أي: هم أرفعُ منزلةً مِنْ ذَلِكَ وهو مشركون، أولئك الَّذين وصَّيناهم بالإيمانِ والهجرةِ والجهادِ، هم الفائزون بالجنَّةِ مِنَ النَّارِ.
السَّادسةُ: في «شرحِ الهدايةِ» يُكره ألَّا يبيت بِمنًى ليالي الرَّمي لأنَّ الشَّارِعَ باتَ بها، وكذا عُمَرُ وكان يؤدِّبُ عَلَى تركه، فلو بات في غيره متعمِّدًا لا يلزمه شيءٌ، وقال بعض الشُّيوخ: المبيتُ في هذِه اللَّيالي سُنَّةٌ عندنا، وبه قَالَ أهل الظَّاهر.
ورُوِيَ نحوه عَنِ ابنِ عبَّاسٍ والحسنِ البصريِّ قَالَ: والمبيتُ بمنًى لياليَ التَّشريق مِنْ سُنَنِ الحجِّ بلا خلافٍ، إلَّا لذوي السِّقَايَةِ أو الرُّعَاةِ، ومَنْ تعجَّل بالنَّفر في ترك ذَلِكَ في ليلةٍ واحدةٍ أو جميع اللَّيالي كَانَ عليه دمٌ عند مالكٍ، وللشَّافعيِّ فيه قولان: أصحُّهما وجوبه وبه قَالَ أحمدُ.
السَّابعةُ: مِنَ المعذورين عَنِ المبيتِ مَنْ له مالٌ يخاف ضياعه إن اشتغلَ بالمبيتِ، أو يخاف عَلَى نفسه، أو كَانَ به مرضٌ أو له مريضٌ أو يطلب آبقًا وشِبْه ذَلِكَ، ففي هؤلاء وجهان عندنا أصحُّهما _وهو المنصوص_ يجوز لهم ترك المبيت ولا شيء عليهم بسببه، وقد أسلفنا نحو ذَلِكَ عن ابنِ عبَّاسٍ، ولهم النَّفْر بعد الغروب، ولو ترك البيات ناسيًا كَانَ كتركه عامدًا.
الثَّامنة: في مسلمٍ _مِنْ أفراده_ مِنْ حديث بكرِ بنِ عبدِ اللهِ المُزَنيِّ قَالَ: ((كُنْتُ جالسًا مَعَ ابنِ عبَّاسٍ عِنْدَ الكَعْبةِ، فأتاني أعرابيٌّ فقالَ: ما لي أرى بني عَمِّكُمْ يَسْقُون العَسَلَ واللَّبَنَ وأنتمْ تَسْقُونَ النَّبيذَ؟ أَوَمِنْ حاجةٍ بكمْ أَمْ مِنْ بخْلٍ؟ فقالَ ابنُ عبَّاسٍ: الحمدُ للهِ مَا بِنَا مِنْ حَاجةٍ ولا بخلٍ، قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلعم عَلَى رَاحِلَتِه وَخَلْفَه أُسامةُ فاستسقى، فأتيناهُ بإناءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ، وَسقَى فَضْلَهُ أُسَامةَ وقال: أَحْسَنْتُم وَأَجْمَلْتُم، كذا فاصْنَعُوا فلا نُرِيدُ تغييرَ ما أَمَرَ به رَسُولُ اللهِ صلعم)).
التَّاسعةُ: في أفرادِ مسلمٍ أيضًا: مِنْ حديثِ جابرٍ: ((أَتَى النَّبِيُّ صلعم بني عَبْدِ المُطَّلِبِ وهُمْ يَسْقُون عَلَى زمزمَ، فقال: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فناوَلوهُ دلوًا فَشَرِبَ مِنْهُ))، وأفادَ ابنُ السَّكَنِ أنَّ الَّذي ناوله الدَّلوَ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلبِ.