التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى}

          ░6▒ بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]. /
          1523- فيه وَرْقَاءُ عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلَا يَتَزوَّدُونَ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ فَإِذَا قَدِمُوا المَدِينَةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}) [البقرة:197]، رَوَاهُ ابنُ عُيَينَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا.
          الشَّرحُ: روايةُ ابنِ عُيَينَةَ هذه أخرجَها الإسماعيليُّ عن يحيى بنِ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ: حدَّثنا سعيدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ أبو عُبيَدِ اللهِ المخزوميُّ حدَّثنا سفيانُ عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابنِ عبَّاسٍ في قولِ اللهِ تعالى، الحديثَ.
          قَالَ ابنُ صاعدٍ: هكذا أنبأَنا به أبو عُبيَدِ اللهِ في كتابِ المناسكِ فقالَ فيه: عَنِ ابنِ عبَّاسٍ، قَالَ: وحدَّثَنا به في حديثِ عَمْرٍو فلم يجاوزْ عِكرمَةَ مرسلًا.
          واختُلِفَ في المرادِ بالتَّقوى فقالَ ابنُ عبَّاسٍ: إنَّ مِنَ التَّقوى ألَّا يَتَعَرَّضَ الرَّجلُ لِمَا يَحْرُمُ عليه مِنَ المسألةِ، وهذا هو المعنيُّ عليه دونَ قولِ عِكْرمَةَ: إنَّ التَّقوى السَّوِيقُ والكعكُ، وكذا قالَه سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ عَقِبَه: وليس هذا مِنْ سعيدٍ عَلَى أنَّ هذِه الأصنافَ مِنَ الأزوادِ هي الَّتي أُبِيْحَتْ في الحجِّ دونَ ما سواها، ولكنَّه عَلَى إفهامِ السَّائلِ أنَّ المرادَ هو: الزَّادُ الَّذي هو قَوَامُ الأبدانِ لا عَلَى التَّزوُّدِ مِنَ الأعمالِ، ثُمَّ أتبعَ ذَلِكَ بقولِه: {فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197] فكأنَّ هذا أنَّ مِنَ التَّقوى تَرْكَ التَّعرُّضِ بحالٍ مِنَ الأحوالِ الَّتي تُحْوِجُ أهلَها إلى المسألةِ المحرَّمَةِ عليهم.
          وفيه _كما قَالَ المُهَلَّبُ_ مِنَ الفقهِ أنَّ تركَ سؤالِ النَّاسِ مِنَ التَّقوى، أَلَا ترى أنَّ اللهَ تَعَالَى مَدَحَ قومًا فقالَ: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة:273] وكذلك معنى آية البابِ أي: تَزَوَّدُوا فلا تؤذُوا النَّاسَ بسؤالِكم إيَّاهم، واتَّقوا الإثمَ في أذاهم بذَلِكَ.
          وفيه أنَّ التَّوكُّلَ لا يكونُ مع السُّؤالِ، وإنَّما التَّوكُّلُ عَلَى اللهِ تَعَالَى دونَ استعانةٍ بأحدٍ في شيءٍ، ويبِّينُ ذَلِكَ قولُه: ((يَدْخُلُ الجنَّةَ سَبْعُونَ ألفًا بِغيرِ حِسَابٍ، وَهُم الَّذينَ لَا يَستَرْقُون وَلَا يَكْتَوُون وَلَا يَتطيَّرونَ وَعَلى ربِّهم يتوكَّلُون)) فهذه أسبابُ التَّوكُّلِ وصفاتُه.
          وقالَ الطَّحاويُّ: لَمَّا كَانَ التَّزوُّدُ فيه تركُ المسألةِ المنهيِّ عنها في غيرِ الحجِّ، وكانَتْ حرامًا عَلَى الأغنياءِ قبلَ الحجِّ كانَتْ في الحجِّ أوكدَ حرمةً.
          وقولُه: (فَإِذَا قَدِمُوا المدِينَةَ) كذا في أصلِ الدِّمْيَاطِيِّ، وفي ابنِ بَطَّالٍ: <مَكَّةَ> بدلَ (المدينةَ)، وكذا هو في شرحِ شيخِنا علاءِ الدِّينِ، وفي بعضِ النُّسَخِ أيضًا.