شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب السلم في كيل معلوم

          ░1▒ بَابُ السَّلَمِ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ
          فيهِ ابنُ عَبَّاسٍ: (قَدِمَ النَّبيُّ صلعم المَدِينَةَ، وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ في التَّمَرِ العَامَ وَالعَامَيْن أَوْ قَالَ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، شَكَّ إِسْمَاعِيلُ(1) فَقَالَ: مَنْ سَلَّفَ في تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ). [خ¦2239]
          وترجم له: باب السَّلم في وزنٍ معلومٍ، وزاد فيه: (إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ).
          وفيهِ عَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادِ، أنَّهُ اختَلَفَ هُوَ وَأَبُو بُرْدَةَ في السَّلَفِ، فَبَعَثُونِي إِلَى ابنِ أبي أَوْفَى، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ(2) صلعم وأبي بَكْرٍ، وَعُمَرَ في الحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ والتَّمْرِ وَسَأَلْتُ ابنَ أبي أَوفَى، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ(3). [خ¦2242] [خ¦2243]
          أجمع العلماء أنَّه لا يجوز السَّلم إلَّا في كيلٍ معلومٍ أو وزنٍ معلومٍ فيما يُكال أو يُوزن، وأجمعوا أنَّه إن كان السَّلم فيما(4) لا يُكال ولا يُوزن فلا بدَّ فيه مِنْ عددٍ معلومٍ، وأجمعوا أنَّه لا بدَّ مِنْ معرفة صفة الشَّيء المُسْلَم فيه، واختلفوا في الأجل على ما يأتي ذكره في بابٍ(5) بعد هذا إن شاء الله.
          واختلفوا في ترك ذكر مكان القبض، فقال أحمدُ وإِسْحَاقُ وأبو ثَوْرٍ: إن لم يُسَمِّ مكانًا فالسَّلم جائزٌ، استدلالًا بحديث ابن عبَّاسٍ لأنَّه(6) ليس فيه ذكر المكان، ولو كان بترك ذكره(7) يفسد السَّلم لأعلمهم بذلك ◙، وقال مالكٌ: إن لم يذكر الموضع جاز السَّلم، ويقبضه في المكان الَّذي كان فيه السَّلم، فإن اختلفا في الموضع فالقول قول البائع، وقال الثَّوْرِيُّ وأبو حنيفةَ: لا يجوز السَّلم فيما له حملٌ ومؤنةٌ إلَّا أن يشترط في تسليمه مكانًا معلومًا، وهو قول الشَّافعيِّ.
          قال ابن المُنْذِرِ: وقوله: (يُسْلِفُونَ في التَّمرِ العَامَ والعَامِينِ) فيه إجازة السَّلم في التَّمر وإن لم يكن ذلك الوقت موجودًا(8) إذا وُجد وقت يحلُّ فيه السَّلم، [ويفسد السَّلم عند الثَّوْرِيِّ والكوفيِّين والشَّافعيِّ بالافتراق دون القبض لرأس المال، وهو عندهم مِنْ باب الدَّين بالدَّين، وعند مالكٍ إن تأخَّر قبض رأس المال يومين وثلاثةً بغير شرطٍ في العقد جاز، كما لو كان لرجلٍ على رجلٍ دَينٌ جاز أن يؤخِّر اليوم واليومين على وجه الرِّفق.](9)


[1] قوله: ((أَوْ قَالَ: عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً شَكَّ إِسْمَاعِيلُ)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[3] قوله: ((وَسَأَلْتُ ابنَ أَبْزَى، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ)) ليس في (ز)، وفي المطبوع: ((وَسَأَلْتُ ابنَ أَبْزَى، فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ)).
[4] في (ز): ((المسلم فيه)).
[5] في المطبوع: ((بابه)).
[6] في (ز): ((أنَّه)).
[7] في المطبوع: ((ترك ذلك)).
[8] في (ز): ((بموجود)).
[9] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.