شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب السلم إلى من ليس عنده أصل

          [░3▒ بَابُ السَّلَم إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ
          فيهِ عَبْدُ اللهِ بنُ أبي أَوْفَى، كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّامِ في الحِنْطَةِ]
(1) / وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، قُلْتُ: إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُه عِنْدَنَا(2)؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعَثَانِي إِلَى عَبْدِ الرَّحمَنِ بنِ أَبْزَى(3)، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ صلعم يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبيِّ صلعم وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ أَلَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لَا؟ [خ¦2244] [خ¦2245]
          وَقَالَ: جَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ: فِي الحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ.
          وفيهِ ابنُ عَبَّاسٍ، سُئِلَ عَنِ السَّلَمِ في النَّخْلِ، فقَالَ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ، حَتَّى يُؤكَلَ مِنْهُ، وَحَتَّى يُوزَنَ)، فَقَالَ رَجُلٌ: وَأَيُّ شَيْءٍ يُوزَنُ؟ فقَالَ رَجُلٌ إلى جَانِبِهِ: حَتَّى يُحْرَزَ. [خ¦2246]
          قال المؤلِّف: روى وَكِيْعٌ عن شُعْبَةَ عن مُحَمَّدِ بن أبي المُجَالِدِ قال: ((اختَلَفَ أَبُو بُرْدَة وعَبْدُ اللهِ بنُ شَدَّادٍ في السَّلَمِ، فَقَالَ(4): فَأَرْسَلُونِي إِلَى ابنِ أبي أَوفَى، فَقَالَ: كُنَّا نُسْلِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم في الحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والزَّبِيبِ(5)، وَلَا نَدْرِي عِنْدَ أَصْحَابِهِ مِنْهُ(6) شَيءٌ(7) أَمْ لَا)) فهذا اختلاف مِنْ أبي بُرْدَةَ وعَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ في هذه المسألة، وإنَّما كره السَّلم إلى مَنْ ليس عنده أصلٌ مَنْ كرهه لأنَّه جعله مِنْ باب الغرر، وأصل السَّلم أن يكون إلى مَنْ عنده ممَّا يُسلم فيه(8) فيه أصلٌ، إلَّا أنَّه لمَّا وردت السُّنَّة في السَّلم بالصِّفة المعلومة والكيل أو الوزن والأجل المعلوم كان ذلك عامًّا(9) فيمَنْ عنده أصل وفيمَنْ(10) ليس عنده، وجماعة الفقهاء يُجيزون السَّلم إلى مَنْ ليس عنده أصلٌ، وحجَّتهم حديث عبدِ اللهِ بنِ أبي أَوفَى، وهو نصٌّ(11) في ذلك.
          قال المُهَلَّبُ(12): وفيه(13) مِنَ الفقه جواز السَّلم في العروض إلى مَنْ ليس عنده ما باع بالسَّلم، ولو كان عنده ما باع ما حلَّ البيع لأنَّه بيع شيءٍ بعينه(14) لا يُقبض إلى مدَّةٍ طويلةٍ، وهذا لا يجوز بإجماعٍ.
          وقال ابن المُنْذِرِ: في حديث ابنِ أبي أَوفَى مبايعة أهل الذِّمَّة والسَّلم(15) إليهم.
          [وفيه دليلٌ على إباحة السَّلم في السَّمن والشَّبرق وما أشبهه(16) كيلًا معلومًا أو وزنًا معلومًا، إذ هو في معنى الزَّيت، وأمَّا حديث ابن عبَّاسٍ الَّذي(17) في آخر الباب، فليس هو مِنَ هذا الباب، وإنَّما هو مِنَ الباب الَّذي بعده، وغلط فيه النَّاسخ، والله أعلم.](18)


[1] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.
[2] في (ز): ((من كان عندنا أصله)).
[3] في (ز): ((إلى ابن أبي أوفى)).
[4] قوله: ((فقال)) ليس في (ص).
[5] في (ز): ((والزَّبيب والشَّعير)).
[6] في المطبوع: ((من)).
[7] في (ز): ((شيئًا)).
[8] في (ز): ((ممَّا سلم إليه)).
[9] قوله: ((عامًا)) ليس في (ص).
[10] في (ز): ((ومن)).
[11] في (ص) لعلَّها: ((أصل)).
[12] قوله: ((قال المهلَّب)) ليس في (ص).
[13] في (ز): ((فيه)).
[14] في (ز): ((معين)).
[15] في (ز): ((في السَّلم)).
[16] في المطبوع: ((وما أشبه ذلك)).
[17] زاد في المطبوع: ((هو)).
[18] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.