شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب النجش

          ░60▒ بَابُ النَّجْشِ وَمَنْ(1) قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ البَيْعُ
          وَقَالَ ابنُ أبي أَوْفَى: النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ، وَهُوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ، لا يَحِلُّ.
          قَالَ(2) صلعم: (الخَدِيعَةُ فِي النَّارِ، وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ).
          فيهِ ابنُ عُمَرَ قَالَ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنِ النَّجْشِ). [خ¦2142]
          قال ابن الأَنْبَارِيِّ: النَّجْشُ: أن يزيد الرَّجل في ثمن السِّلعة، وهو لا يُريد شراءها، ولكن ليسمعه غيره فيزيد بزيادته.
          وذكر مثله صاحب «العين»، وقال أبو عُبَيْدٍ: النَّجْشُ: استثارة الشَّيء، والنَّجاشيُّ والنَّاجش: الَّذي ينجش الشَّيء نجشًا فيستخرجه، وقال بعضهم: النَّجْشُ: أن يُنفِّر النَّاس عن الشَّيء إلى غيره، قال(3) وأصل النَّجْشِ: تنفير الوحش مِنْ مكانٍ إلى مكانٍ.
          ذكره(4) ابن الأَنْبَارِيِّ، وذكر عن ابن عبَّاسٍ(5) أنَّه قال: نجَّاشو سوق الطَّعام مِنْ هذا أخذوا، وذكر أيضًا عن(6) الأَصمَعِيِّ أنَّ النَّجْشَ: مدح الشَّيء وإطراؤه، وأنشد النَّابغة(7) الشَّيبانيُّ:
ويعدي كرمها عند النَّجش
          وأجمع العلماء أنَّ النَّاجش عاصٍ بفعله.
          واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، فذهب أهل الظَّاهر إلى أنَّ البيع في النَّجش مفسوخٌ، لأنَّه طابق(8) النَّهي ففسد، وقال مالكٌ: / المشتري بالخيار، وهو عيبٌ مِنَ العيوب، وحجَّته أنَّ النَّبيَّ صلعم نهى عن التَّصرية، ثمَّ جعل المشتري بالخيار إذا علم أنَّها مُصَرَّاةٌ، ولم يقض بفساد البيع، ومعلومٌ أنَّ التَّصرية غشٌّ وخديعةٌ، فكذلك النَّجش يصحُّ فيه البيع، ويكون المشتري بالخيار.
          وقال أبو حنيفةَ وأصحابه والشَّافعيُّ: البيع في النَّجش لازمٌ، ولا خيار للمبتاع في ذلك، لأنَّه ليس بعيبٍ في نفس المبيع(9)، وإنَّما هي خديعةٌ في الثَّمن، وقد كان على المشتري أن يتحفَّظ ويُحضر مَنْ يُميِّز إن لم يكن ممَّن يُميِّز، وقول مالكٍ أعدل الأقوال في ذلك وأولاها بالصَّواب.


[1] في (ز): ((من)).
[2] زاد في (ز): ((النَّبيُّ)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (ص).
[4] في (ز): ((وذكره)).
[5] في (ز): ((عن أبي العبَّاس)).
[6] قوله: ((عن)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((للنَّابغة)).
[8] في (ص) صورتها: ((مفسوخٌ لإطلاق)).
[9] في المطبوع: ((البيع)).