شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب بيع الميتة والأصنام

          [░112▒ بَابُ بَيْعِ المَيْتَةِ وَالأَصْنَامِ
          فيهِ جَابِرٌ: (أَنَّهُ سَمِعَ النَّبيَّ(1) صلعم يَقُولُ عَامَ الفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ(2) الخَمْرَ، وَالمَيْتَةِ، وَالخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ المَيْتَةِ، فَإِنَّه يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَيُدْهَنُ بِهَا الجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: لاَ هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ(3) صلعم عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ إِنَّ اللهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا أجَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ). [خ¦2236]
          أجمعتِ الأمُّة على أنَّه لا يجوز بيع الميتة والأصنام، لأنَّه لا يحلُّ الانتفاع بهما، فوضع الثَّمن فيهما إضاعةٌ للمال(4)، وقد نهى رسول الله(5) صلعم عن إضاعة المال، وقال(6) ابنُ المُنْذِرِ: وإذا(7) أجمعوا على تحريم بيع الميتة، فبيع جيفة الكافر مِنْ أهل الحرب كذلك، وقد رُوِيَ ذلك عن النَّبيِّ صلعم وهو مذكورٌ في آخر كتاب الجهاد.
          قال الطَّبَرِيُّ: فإن قال قائلٌ: ما وجه قوله ◙ إذ سأله السَّائل عن شحوم الميتة وقال: إنَّا ندهن(8) بها الجلود والسُّفن ويستصبح(9) بها، فقال مجيبًا له: (قَاتَلَ اللهُ اليَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا / وَأَكَلُوا ثَمَنَهَا). قيل: إنَّ جوابه ◙ كان عن مسألته عن بيع(10) الشُّحوم، لا عن دهن الجلود والسُّفن، وإنَّما سأله عن بيع ذلك إذ ظنَّه جائزًا مِنْ أجل ما فيه مِنَ المنافع، كما جاز بيع الحُمُر الأهلية لما فيها مِنَ المنافع و إن حرُم أكلها، فظنَّ أنَّ شحوم الميتة مثل ذلك(11) يحلُّ بيعها وشراؤها وإن حرُم أكلها، فأخبره ◙ أنَّ ذلك ليس كالَّذي ظنَّ، وأنَّ بيعها حرامٌ وثمنها حرامٌ إذ كانت نجسةً، نظيره الدَّم والخمر فيما يحرم مِنْ بيعها وأكل ثمنها، فأمَّا الاستصباح ودهن السُّفن والجلود بها، فهو يخالف(12) سبيل(13) بيعها وأكل ثمنها، إذ كان ما يدهن بها مِنْ ذلك يُغسل(14) بالماء غسل الشَّيء الَّذي أصابته النَّجاسة(15) فيطهِّره الماء، هذا قول عَطَاءِ بن أبي رَبَاحٍ وجماعةٍ مِنَ العلماء، وممَّن أجاز الاستصباح بالزَّيت تقع فيه الفأرة: عليُّ بن أبي طالبٍ وابن عبَّاسٍ وابن عُمَرَ، وقد تقصَّينا هذا في كتاب الذَّبائح في باب إذا وقعت الفأرة في سمنٍ جامدٍ أو ذائبٍ(16).]
(17)


[1] في المطبوع: ((الرَّسول)).
[2] زاد في المطبوع: ((بيع)).
[3] في المطبوع: ((قال ◙)).
[4] في المطبوع: ((المال)).
[5] في المطبوع: ((النَّبيُّ)).
[6] في المطبوع: ((قال)).
[7] في المطبوع: ((فإذا)).
[8] في المطبوع: ((إنَّها تدهن)).
[9] في المطبوع: ((ونستصبح)).
[10] في المطبوع: ((عن مسألة بيع)).
[11] في المطبوع: ((الميتة كذلك)).
[12] في المطبوع: ((مخالف)).
[13] قوله: ((سبيل)) ليس في المطبوع.
[14] في المطبوع: ((ينغسل)).
[15] في المطبوع: ((نجاسة)).
[16] في المطبوع: ((دهن)).
[17] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.