شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كسب الرجل وعمله بيده

          ░15▒ بَابُ كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ
          فيهِ عَائِشَةُ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ(1) أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ المُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ(2) آلُ(3) أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا المَالِ، وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ. [خ¦2070]
          وفيهِ عَائِشَةُ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبيِّ صلعم عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ لَهُمْ أَزْوَاجٌ(4)، فَقِيلَ لَهُمْ: لَوِ اغْتَسَلْتُمْ؟ [خ¦2071]
          وفيهِ المِقْدَامُ(5): عَنِ الرَّسُولِ(6) صلعم قَالَ: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ دَاوُدَ صلعم كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ). [خ¦2072]
          وفيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لأنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ). [خ¦2074]
          قال المُهَلَّبُ: الحرفة هاهنا التَّصرُّف في المعاش والمتجر، فلمَّا اشتغل أبو بَكْرٍ عنه بأمر(7) المسلمين ضاع أهله، فاحتاج أن يأكل هو وأهله مِنْ بيت مال المسلمين، لاستغراقه وقته(8) في أمورهم / واشتغاله عن تعيُّش(9) أهله.
          وقوله: (وَاحتَرِفُ لَهُمْ فِيْهِ) أيِ اتَّجر لهم(10) في مالهم حتَّى يعود عليهم مِنْ ربحه بقدر ما آكل أو أكثر. وليس بواجبٍ على الإمام أن يتَّجر في مال المسلمين بقدر مؤنته، إلَّا أن يتطوَّع بذلك كما تطوَّع أبو بَكْرٍ ☺ لأنَّ مؤنته مفروضةٌ في بيت مال المسلمين بكتاب الله تعالى لأنَّه رأس العاملين عليها.
          وفي حديث عائشةَ: ما كان عليه أصحاب النَّبيِّ صلعم مِنَ التَّواضع واستعمال(11) أنفسهم في أمور دنياهم.
          وقوله: (لَوِ اغتَسَلْتُمْ) يُبيِّن ما روى أبو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ(12) عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ(13))). أنَّه ليس بواجبٍ فرضًا، وأنَّ المراد بذلك النَّدب إلى النَّظافة، وتأكيد الغسل عليهم لفضل الجمعة ومَنْ يشهدها مِنَ الملائكة والمؤمنين، وقد تقدَّم ما للعلماء في ذلك في كتاب الجمعة [خ¦881].
          وفي حديث المِقْدَامِ: أنَّ أفضل الكسب مِنْ عمل اليد، ألا ترى أنَّ نبيَّ الله داودَ ◙ كان يأكل مِنْ عمل يديه(14)، وقال أبو الزَّاهِرِيَّةِ: كان داودُ ◙ يعمل القِفاف، ويأكل منها.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: وإنَّما فُضِّل عمل اليد على سائر المكاسب، إذا نصح العامل بيده، وروى(15) أبو سَعِيْدٍ المَقْبُرِيُّ عن أبي هريرةَ أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((خَيْرُ الكَسْبِ يَدُ العَامِلِ إِذَا نَصَحَ))، ورُوِيَ عن النَّبيِّ صلعم ((أنَّ زَكَرِيَّا صلعم كَانَ نَجَّارًا))، وقال النَّبيُّ صلعم: ((وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَى الغَنَمَ)).
          وقد ذكر(16) مَعْمَرٌ عن سُلَيْمَانَ(17) أنَّه كان يعمل الخوص، فقيل له: أتعمل هذا وأنت أمير المدائن، يجري عليك رزقٌ؟! قال: إنِّي أحبُّ أن آكل مِنْ عمل يدي.


[1] في (ص): ((مؤنة)).
[2] في (ز): ((فسيأكل)) بعضها مطموس.
[3] قوله: ((آل)) ليس في (ص).
[4] في (ز): ((أنفسهم وكان يكون لهم أرواح)).
[5] في (ص): ((المقداد)).
[6] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[7] في (ز): ((أبو بكرٍ ☺ بأمر)).
[8] قوله: ((وقته)) ليس في (ز).
[9] في (ز): ((تعييش)).
[10] قوله: ((لهم)) ليس في (ز).
[11] في (ز): ((واستعمالهم)).
[12] قوله: ((واجب)) ليس في (ز).
[13] في (ز): ((محتلم)).
[14] في (ص): ((يده)).
[15] في (ص): ((روى)).
[16] في (ز): ((وذكر)).
[17] في (ز): ((سلمان)).