شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يستحب من الكيل

          [░52▒ بَابُ مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الكَيْلِ
          فيهِ المِقْدَامُ، قَالَ النَّبيُّ(1) صلعم: (كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ(2)). [خ¦2128]
          وفيهِ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا في مُدِّهَا وَصَاعِهَا، وَحَرَّمْتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ لَهَا في مُدِّهَا وَصَاعِهَا). [خ¦2129]
          وفيهِ أَنَسٌ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ في مِكْيَالِهِمْ،(3) وصَاعِهِمْ وَمُدِّهِمْ، يعني أَهْلَ المَدِينَةِ). [خ¦2130]
          الكيل مندوب إليه فيما ينفقه المرء على عياله ونَدبُ النبي صلعم أمَّته إليه يدل على البركة فيه.
          قال المُهَلَّبُ: ويحتمل المعنى _والله أعلم_ أنَّهم كانوا يأكلون بلا كيلٍ، فيزيدون في الكيل(4) فلا يبلغ لهم الطَّعام إلى المدَّة الَّتي كانوا يُقدِّرونها، فقال لهم ◙: (كِيْلُوا) أي أخرجوا بكيلٍ معلومٍ يُبلِّغكم إلى المدَّة الَّتي قدَّرتم مع ما وضع الله تعالى مِنَ البركة في مدِّ أهل المدينة بدعوته ◙.
          فإن قيل: فما معنى قول عائشةَ ♦: ((كَانَ عِنْدِي شَطْرَ شَعِيْرٍ، فَأَكَلْتُ(5) مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فِكِلْتُهُ فَفَنِيَ))، وهذا معارضٌ لحديث المِقْدَامِ. قال المُهَلَّبُ: وليس(6) بينهما تعارضٌ بحمد الله، ومعناه: أنَّها كانت تُخرج قوتها بغير كيلٍ، وهي متقوِّتةٌ باليسير، فبُورك لها فيه مع بركة النَّبيِّ صلعم الباقية عليها وفي بيتها فلمَّا كالته علمت المدَّة التي يبلغ إليها، ففني عند انقضائها، لا أنَّ الكيل وكدٌ فيه أن يفنى]
(7).


[1] في المطبوع: ((قال ◙)).
[2] زاد في المطبوع: ((فيه)).
[3] زاد في المطبوع: ((وبارك لهم في)).
[4] في المطبوع: ((الأكل)).
[5] في المطبوع: ((نأكل)).
[6] في المطبوع: ((ليس)).
[7] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.