شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يتنزه من الشبهات

          ░4▒ بَابُ مَا يُتَنَزَّهُ عَنْهُ مِنَ الشُّبُهَاتِ
          فيهِ أَنَسٌ: (مَرَّ النَّبيُّ صلعم بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ، فَقَالَ: لَوْلا أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأكَلْتُهَا). [خ¦2055]
          وقال أبو هريرةَ عن النَّبيِّ صلعم: (أَجِدُ تَمْرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي).
          قال المُهَلَّبُ: إنَّما ترك النَّبيُّ صلعم أكل التَّمرة تنزُّهًا عنها لجواز أن تكون من تمر الصَّدقة، وليس على أحدٍ بواجبٍ أن يتبع الجوازات لأنَّ الأشياء مباحة حتَّى يقوم الدَّليل على التَّحظير، فالتَّنزُّه عن الشُّبهات لا يكون إلَّا فيما أشكل أمره ولم يدر أحلالٌ هو أو حرامٌ، واحتمل المعنيين، ولا دليل على أحدهما، ولا يجوز أن يحكم على أحدٍ(1) مِنْ مثل(2) ذلك أنَّه أخذ حرامًا لاحتمال أن يكون حلالًا، غير أنَّا نستحبُّ مِنْ باب الورع أن نقتدي برسول الله صلعم فيما فعل في التَّمرة، وقد قال ◙ لوِابِصَةَ بنِ مَعْبَدٍ حين سأله عن البرِّ والإثم فقال: ((البِرُّ مَا اطمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، والإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ(3)))، وقال ابن عُمَرَ: لا يبلغ أحدٌ حقيقة التَّقوى حتَّى يدع ما حاك في الصَّدر.
          وقال(4) أبو الحَسَنِ بن(5) القَابِسِيِّ: إن قال قائلٌ: إذا وجد التَّمرة في بيته فقد(6) بلغت محلَّها وليست(7) مِنَ الصَّدقة. قيل له: يحتمل أن يكون النَّبيُّ صلعم كان يقسم الصَّدقة ثمَّ ينقلب إلى أهله، فربَّما علقت تلك التَّمرة بثوبه فسقطت على فراشه فصارت شبهةً.
          قال غيره: وفيه(8) مِنَ الفقه: تحريم قليل الصَّدقة وكثيرها على النَّبيِّ صلعم وآله، وقد تقدَّم اختلاف العلماء / في ذلك في كتاب الزَّكاة [خ¦1491].
          وفيه أيضًا: أنَّ أموال المسلمين لا يحرم منها إلَّا ما له قيمةٌ ويُتشاحُّ في مثله، وأمَّا التَّمرة(9) واللُّبابة(10) مِنَ الخبز أو التِّينة أو الزَّبيبة، وما أشبه ذلك، فقد أجمعوا على أخذها ورفعها من الأرض، وإكرامها بالأكل دون تعريفها، استدلالًا بقوله ◙: (لَأَكَلْتُهَا)، وأنَّها مخالفةٌ لحكم اللُّقطة، وسيأتي ذلك في كتاب اللُّقطة(11) [خ¦2432].


[1] قوله: ((أحد)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((بمثل)).
[3] قوله: ((وإن أفتاك النَّاس وأفتوك)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((قال)).
[5] قوله: ((ابن)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((فهل)).
[7] في (ص): ((وكتبت)).
[8] في (ص): ((وقال غيره فيه)).
[9] العبارة في (ص): ((وفيه أيضًا أنَّ أموال الزَّكاة تجمع هناك بنسبة... ويتشاحُّ في مثله، فأمَّا التَّمرة)).
[10] في (ز): ((والفتاتة)).
[11] زاد في (ز): ((إن شاء الله تعالى)).