شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب بيع الزرع بالطعام كيلًا

          [░91▒ بَابُ بَيْعِ الزَّرْعِ بِالطَّعَامِ كَيْلًا.
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنِ المُزَابَنَةِ، أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ(1) حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا، أو كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ). [خ¦2205]
          أجمع العلماء على(2) أنَّه لا يجوز بيع الزَّرع قبل أن يقطع بالطَّعام، ولا بيع العنب في كرمه بالزَّبيب ولا بيع الثَّمر في رؤوس النَّخل بالثَّمر(3)، لأنَّ النَّبيَّ صلعم نهى عنه وسمَّاه مزابنةً، وذلك خطرٌ وغررٌ، لأنَّه بيع مجهولٍ بمعلومٍ(4) مِنْ جنسه(5)، وأمَّا بيع رطب ذلك بيابسه إذا كان مقطوعًا وأمكن فيه المماثلة، فجمهور العلماء لا يجيزون بيع شيءٍ مِنْ ذلك بجنسه، لا متماثلًا ولا متفاضلًا، لأنَّه مِنَ المزابنة المنهي عنها(6)، وبهذا قال أبو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ، وخالفهم أبو حنيفةَ فأجاز بيع الحنطة الرَّطبة باليابسة والرُّطب بالتَّمر مِثْلًا بمِثْلٍ، ولا يجيز ذلك متفاضلًا.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: وأظنَّ أبا ثَوْرٍ وافقه على ذلك، واحتجَّ له الطَّحَاوِيُّ قال: إنَّه يجوز(7) بيع الرُّطب بالرُّطب]
(8) / مِثْلًا بمِثْلٍ، وإن كان في أحدهما رطوبةٌ ليست في الآخر، وكلُّ ذلك ينقص إذا بقي نقصانًا مختلفًا(9) ولم ينظروا إلى ذلك فيبطلوا به البيع، بل نظروا إلى حاله في وقت وقوع البيع، فالنَّظر(10) أن يكون الرُّطب بالتَّمر(11) كذلك، وهذا قياسٌ فاسدٌ، لأنَّ الرُّطب بالرُّطب وإن كان يختلف نقصانه إذا يبس، فهو نقصانٌ معفوٌّ عنه لقلَّته(12)، وقد جُوِّز في البيوع يسير الغرر، لأنَّه لا يكاد يخلو منه، ونقصان(13) الرُّطب بالتَّمر له بالٌ وقيمةٌ فافترقا لذلك، وحديث ابنِ عُمَرَ حجَّةٌ للجماعة(14) أنَّ النَّبيَّ صلعم نهى عن بيع التَّمر بالتَّمر، والتَّمر بالرُّطب(15)، فكأنَّه(16) نهى(17) عن بيع الرُّطب بالتَّمر على النَّخل ومقطوعًا، على عموم اللَّفظ، ويدلُّ على ذلك قوله ◙ حين سُئل عن اشتراء التَّمر بالرُّطب فقال: ((أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ(18)؟ فَقَالُوا(19): نَعَمْ، فَنَهَى عَنْهُ(20)))، قالَ ابنُ القَصَّارِ: فقوله ◙: ((أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْهُ))(21)، فصار كأنَّه نهى عن الرُّطب بالتَّمر، ولم يخفَ عنه(22) ◙ ذلك، وإنَّما سألهم على سبيل التَّقرير لهم عليه(23)، حتَّى إذا تقرَّر ذلك عندهم(24) نهاهم عنه، فصار كأنَّه نهاهم عنه، وعلَّله فقال: لا يجوز بيع الرُّطب بالتَّمر لأنَّه ينقص إذا يبس، فسواءٌ كان الرُّطب في النَّخل [أو(25) الأرض، فإذا(26) بيع بتمرٍ مجهولٍ فإنَّه يكون مزابنةً، ويُقَالُ للكوفيِّين: إنَّه يلزمكم التَّناقض في منعكم بيع الحنطة بالدَّقيق، وبيعها بالسَّويق، والمماثلة بينهما أقرب(27) مِنَ المماثلة بين التَّمر والرُّطب، وأجاز مالكٌ واللَّيْثُ الدَّقيق بالحنطة مِثْلًا بمِثْلٍ، وقول الشَّافعيِّ كقول الكوفيِّ.](28)


[1] في المطبوع: ((ثمرة)).
[2] قوله: ((على)) ليس في المطبوع.
[3] في المطبوع: ((بالتَّمر)).
[4] في (ز): ((بيع بمعلومٍ مجهول)).
[5] قوله: ((من جنسه)) ليس في (ز).
[6] في المطبوع: ((عنه)).
[7] في المطبوع: ((وقال: لمَّا أجمعوا أنَّه يجوز)).
[8] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[9] زاد في (ز): ((ويجفُّ)).
[10] في (ز): ((والنَّظر)).
[11] في (ز): ((التَّمر بالرُّطب)).
[12] في (ز): ((بقلَّته)).
[13] في (ص): ((نقصان)).
[14] في (ز): ((الجماعة)).
[15] في (ص): ((والتَّمر هو الرُّطب)).
[16] في (ز): ((كأنَّه)).
[17] في (ص): ((نهى)) غير واضحة.
[18] قوله: ((إذا يبس)) ليس في (ز).
[19] في المطبوع: ((قالوا)).
[20] في (ز): ((فنهى عن ذلك)).
[21] قوله: قال ابن القصَّار: فقوله ◙: ((أينقص الرُّطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم، فنهى عنه)) ليس في (ص).
[22] في (ز): ((عليه)).
[23] قوله: ((عليه)) ليس في (ص).
[24] في (ز): ((معهم)).
[25] زاد في المطبوع: ((في)).
[26] في المطبوع: ((إذا)).
[27] في (ز): ((قرب)).
[28] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطمس.