شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه

          ░89▒ [بَابٌ إِذَا أَرَادَ أَن يبَيْعَ تَمْرًا بِتَمْرٍ خَيْرٍ مِنْهُ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وأَبُو سَعِيْدٍ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ]
(1) / فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيْبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بصاعَيْنِ(2)، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ(3)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: لَا تَفْعَلْ، بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا). [خ¦2201] [خ¦2202]
          فيه مِنَ الفقه: أنَّ التَّمر كلَّه جنسٌ واحدٌ رديئه وجيده، لا يجوز التَّفاضل في شيءٍ منه، ويدخل في معنى التَّمر جميع الطَّعام، فلا يجوز في الجنس الواحد التَّفاضل ولا النَّسيئة بإجماعٍ، فإن كانا جنسين جاز فيهما التَّفاضل يدًا بيدٍ، ولم تجز النَّسيئة، هذا حكم الطَّعام المقتات كلُّه عند مالكٍ.
          وعند الشَّافعيِّ الطَّعام كلُّه مقتاتٌ أو غير مقتاتٍ. وعند الكوفيِّين: الطَّعام المكيل كلُّه(4) والموزون دون غيره(5).
          وفيه مِنَ الفقه: أنَّ مَنْ لم يعلم بتحريم(6) الشَّيء فلا حرج عليه حتَّى يعلمه، قال تعالى(7): {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}[الإسراء:15].
          وأجمع العلماء أنَّ البيع إذا وقع محرَّمًا، فهو مفسوخٌ مردودٌ، لقوله ◙: ((مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَى غَيْرِ أَمْرِنَا فَهُوَ رَدٌّ)).
          وقد رُوِيَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أمر بردِّ هذا البيع مِنْ حديث بلالِ بنِ رَبَاحٍ [ومِنْ حديث أبي سَعْيِدٍ الخُدْرِيِّ، روى(8) منصورٌ وقَيْسُ بنُ الرَّبِيْعِ عن أبي حَمْزَةَ، عن سَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبِ عن بلالٍ قالَ: ((كَانَ عِنْدِي تَمْرٌ دُونٌ، فَابْتَعْتُ تَمْرًا أَجْوَدَ مِنْهُ في السُّوْقِ بِنِصْفِ كَيْلِهِ، صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَأَتَيْتُ النَّبيَّ صلعم فَحَدَّثْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ، فَقَالَ: هَذَا الرِّبَا بِعَيْنِهِ، انْطَلِقْ فَرُدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَخُذْ تَمْرَكَ وَبِعْهُ(9)، ثُمَّ اشْتَرِ التَّمْرَ))، وقد زعم قومٌ أنَّ بيع عامل خَيْبَرَ الصَّاع بالصَّاعين(10) كان قبل نزول آية الرِّبا، وقبل أن يخبرهم النَّبيُّ صلعم بتحريم التَّفاضل في ذلك، ولذلك لم يأمر بفسخه.
          وهذه غفلةٌ، لأنَّه ◙ قد قال في مغنم خيبر للسَّعدين: ((أَرْبِيْتُمَا، فَرُدَّا)) وفتح خَيْبَرَ مقدَّمٌ على ما كان بعد ذلك ممَّا وقع في تمرها وجميع أمرها.
          وقد احتجَّ بحديث هذا الباب مَنْ أجاز أن يبيع الطَّعام مِنْ رجلٍ بالنَّقد، ويبتاع منه بذلك النَّقد طعامًا قبل الافتراق وبعده، لأنَّه لم يخصَّ فيه بائع الطَّعام ولا مبتاعه مِنْ غيره، وهو قول الشَّافعيِّ وأبي ثَوْرٍ، ولا يجوز هذا عند مالكٍ، لأنَّه عنده كأنَّه طعامٌ بطعامٍ والدَّراهم لغوٌ(11) إلَّا أن يكون الطَّعام جنسًا واحدًا وكيلًا واحدًا، فيجوز عنده.]
(12)


[1] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[2] في (ز): ((بالصَّاعين)).
[3] في (ص): ((بالثَّلاث)).
[4] قوله: ((كلُّه)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((دون غيره)) ليس في (ز).
[6] في المطبوع: ((تحريم)).
[7] في (ز): ((قال الله تعالى)).
[8] في المطبوع: ((وروى)).
[9] في المطبوع: ((فبعه)).
[10] في المطبوع: ((بيع العامل الصَّاعين بالصَّاع)).
[11] في المطبوع: ((ملغاة)).
[12] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).