شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب بيع المزابنة

          ░82▒ بَابُ بَيْعِ المُزَابَنَةِ
          وَهُوَ(1) بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ(2) وَبَيْعُ الزَّبِيْبِ بِالكَرْمِ وَبَيْعُ العَرَايَا.
          قَالَ أَنَسٌ: نَهَى(3) النَّبيُّ صلعم عَنِ المُزَابَنَةِ والمُحَاقَلَةِ(4).
          فيهِ ابنُ عُمَرَ، قَالَ الرَّسُولُ(5) صلعم: (لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ(6) حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ(7)). قَالَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ: وَرَخَّصَ النَّبيُّ صلعم بَعْدَ ذَلِكَ في بَيْعِ العَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ في غَيْرِهِ. [خ¦2183] [خ¦2184]
          وفيهِ ابنُ عُمَرَ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم نَهَى عَنِ المُزَابَنَةِ، وَهِي اشْتِرَاءُ التَّمْرِ بِالثَّمَرِ(8) كَيْلًا، وَبَيْعُ الزَّبِيْبِ بِالكَرْمِ كَيْلًا). [خ¦2185]
          وقَالَ(9) أَبُو سَعِيْدٍ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنِ المُزَابَنَةِ وَالمُحَاقَلَةِ، وَالمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ(10) في رُؤُوسِ النَّخْلِ). [خ¦2186]
          المُزَابَنَةُ عندَ العربِ: المُدَافَعَةُ، وذلك أنَّ المتبايعين إذا وقفا فيه على الغبن أراد المغبون أن يفسخ البيع، وأراد الغابن أن يمضيه، تزابنا(11) أي تدافعا واختصما، وسيأتي تفسير المحاقلة بعد هذا في موضعه إن شاء الله تعالى [خ¦2207].
          ومعنى النَّهي عن المزابنة خوف وقوع التَّفاضل في ذلك، والتَّفاضل حرامٌ في كلِّ ما كان في معنى الرُّطب بالتَّمر، ومعنى الزَّبيب بالعنب مِنْ سائر المأكولات والمشروبات إذا كان أحدهما مجهولًا، وهذا إجماعٌ.
          قالَ مالكٌ: وتفسير المزابنة أنَّ كلَّ شيءٍ مِنَ الجزاف لا يُعلم كيله ولا عدده ولا وزنه ابتيع بشيءٍ مسمًّى مِنَ الكيل أو العدد أو الوزن، وما عدا المأكول والمشروب فإنَّه(12) تدخله المزابنة مِنْ جهة القمار والغرر، فيدخل معنى المزابنة عند مالكٍ فيما يجوز فيه التَّفاضل، وما لا يجوز إذا قصد فيه إلى الغرر والقمار.
          قالَ في «المُوَطَأِ»: وذلك أن يقول الرَّجُلُ للرَّجُلِ له الطَّعام المصبَّر الَّذي لا يُعلم كيله مِنْ سائر الأطعمة، أو تكون له(13) السِّلعة مِنَ الحنطة أو النَّوى أو الكرسف أو الكتَّان، وما(14) أشبه ذلك مِنَ السِّلع: لا أعلم(15) كيله ولا عدده ولا وزنه، فيقول الرَّجُل لربِّ تلك السِّلعة: كِلْ سلعتك هذه، أو زِنْ ما يوزن، أو اعدُدْ ما يُعدُّ منها، فما نقص مِنْ كذا وكذا صاعًا لتسميةٍ يسمِّيها فعليَّ غرمها(16) حتَّى أوفيك تلك التَّسمية، وما زاد على ذلك فهو لي ضمن(17) ما نقص على أن يكون له(18) ما زاد، فليس ذلك بيعًا و لكنَّها(19) مخاطرةٌ وقمارٌ وغررٌ لأنَّه لم يشترِ منه شيئًا بشيءٍ أخرجه، ولكنَّه ضمن له ما سمَّى مِنْ ذلك الكيل، فإن نقصت تلك السِّلعة مِنْ تلك التَّسمية أخذ مِنْ مال صاحبه ما نقص مِنْ غير(20) ثمنٍ ولا هبةٍ، طيِّبةٌ بها نفسه، فهذا شبه(21) القمار، وذكر مالكٌ مسألة الثَّوبِ يضمن لصاحبه منه قلانس أو قمصًا، والجلودِ يضمن له منها نعالًا، وحبِّ البان(22) يعصره على أنَّ له ما زاد على ما ضمن مِنْ ذلك، وعليه ما نقص، وإنَّما ذكر مالكٌ هذه المسائل في باب المزابنة لأنَّ فيها شراء مجهولٍ بمعلومٍ، لأنَّه ألزم نفسه كيلًا أو وزنًا أو عددًا معلومًا، يضمنه عن كيلٍ أو وزنٍ أو عددٍ / مجهولٍ يرجو أن يبقى له بعد ضمانه، ويشهد لقول مالكٍ ما تعرفه العرب أنَّ المزابنة مأخوذٌ لفظها مِنَ الزَّبن، وهو الدَّفع والمغالبة، وذلك خطرٌ وقمارٌ.


[1] في (ز): ((وهو)).
[2] في (ص): ((التَّمر بالثَّمر)).
[3] في (ز): ((ونهى)).
[4] في (ز): ((المحاقلة والمزابنة)).
[5] في (ز): ((النَّبيُّ)).
[6] في (ص): ((التَّمر)).
[7] في (ص): ((التَّمر بالثَّمر)).
[8] في (ص): ((التَّمر بالتَّمر)).
[9] في (ز): ((قال)).
[10] في (ص): ((التَّمر بالثَّمر)).
[11] في (ز): ((فتزابنا)).
[12] في (ز): ((فإنَّما)).
[13] قوله: ((له)) ليس في (ز).
[14] في (ز): ((أو ما)).
[15] في (ز): ((يعلم)).
[16] في (ز): ((غرمه)).
[17] في (ز): ((أضمن)).
[18] في (ز): ((لي)).
[19] في (ز): ((ولكنَّه)).
[20] في (ز): ((بغير)).
[21] في (ز): ((يشبه)).
[22] قوله: ((البان)) ليس في (ز).