شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الخروج في التجارة

          ░9▒ بُابُ الخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ
          وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ}[الجمعة:10]
          فيهِ أَبُو مُوسَى: أنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَكَانَ مَشْغُولًا، فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى فَفَرَغَ عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ، ائْذَنُوا لَهُ، قِيلَ: قَدْ رَجَعَ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالبَيِّنَةِ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجلِسِ(1) الأَنْصَارِ، فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلَّا أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ فَذَهَبَ بِأَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ(2) فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ عَلَيَّ مِنْ(3) أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلعم؟ أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأسْوَاقِ. يعني الخُرُوجَ إِلَى التِّجَارَةٍ.
          وقوله تعالى(4): {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ}[الجمعة:10]هو إباحةٌ بعد حظرٍ، مثل قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة:2]. [خ¦2062]
          قال المُهَلَّبُ: أمَّا قوله: (أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ)(5) مأخوذٌ مِنْ قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا}[الجمعة:11]فقرن التِّجارة باللهو، فسمَّاها عُمَرُ لهوًا مجازًا، لأنَّ اللهو المذكور في الآية غير التِّجارة لأنَّه تعالى فصل بينهما بالواو، وهو الدُّفُّ عند النِّكاح وشبهه، فدلَّ هذا أنَّما أراد شغلني(6) البيع والشِّراء عن ملازمة النَّبيِّ صلعم في كلِّ أحيانه، حتَّى حضر مَنْ هو أصغر منِّي ما لم أحضره مِنَ العلم. /
          وفيه: أنَّ الصَّغير قد يكون عنده مِنَ العلم ما ليس عند الكبير.
          وفيه: أنَّه يجب البحث وطلب الدَّليل على ما ينكره مِنَ الأقوال حتَّى يثبت عنده.


[1] في (ز): ((مجالس)).
[2] قوله: ((فذهب بأبي سعيدٍ الخدريِّ)) ليس في (ز).
[3] في المطبوع و(ص): ((خفي عليَّ هذا من)).
[4] في (ز): ((قوله ╡)).
[5] زاد في (ز): ((فهو)).
[6] في (ص): ((شغلهم)).