شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك

          ░55▒ بَابُ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ
          فيهِ ابن عَبَّاسٍ، قَالَ: أَمَّا الَّذي نَهَى عَنْهُ النَّبيُّ صلعم فَهُوَ الطَّعَامُ أَنْ يُبَاعَ حَتَّى يُقْبَضَ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وَلا أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا مِثْلَهُ. [خ¦2135]
          وفيهِ ابنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ، وَقَالَ مَرَّةً: حَتَّى يَقْبِضَهُ). [خ¦2136]
          أجمع العلماء(1) أنَّ كلَّ ما يُكال أو يُوزن مِنَ الطَّعام كلِّه مقتاتًا(2) أو غير مقتاتٍ، وكذلك الإدام والملح والكسبر وزريعة الفجل الَّذي فيه الزَّيت المأكول، فلا يجوز بيع شيءٍ منه قبل قبضه، ومعنى نهيه ◙ عن بيع الطَّعام قبل قبضه عند مالكٍ فيما بيع منه مكيلًا أو موزونًا لا فيما بيع منه جزافًا على ما تقدَّم ذكره قبل هذا.
          واختلفوا في بيع العروض قبل قبضها، فذهب ابنُ عبَّاسٍ وجابرٌ إلى أنَّه لا يجوز بيع شيءٍ منها قبل قبضها، قياسًا على الطَّعام، وهو قول الكوفيِّين والشَّافعيِّ، وحملوا نهيه ◙ / [عن ربح ما لم يضمن على العموم في كلِّ شيءٍ، إلَّا الدُّور والأرضين عند أبي حنيفةَ، فأجاز بيعها قبل قبضها، لأنَّها لا تُنقل ولا تُحَوَّل.
          وحمل مالكٌ نهيه ◙ عن ربح ما لم يضمن على الطَّعام وحده، قال عِيسَى: سألت ابن القَاسِمِ عن ربح ما لم يضمن، فقال: ذكر مالكٌ أنَّ ذلك بيع الطَّعام قبل أن يُستوفى، لأنَّ النَّبيَّ صلعم نهى عنه فربحُه حرامٌ، وأمَّا العروض والحيوان فربحها حلالٌ، لأنَّ بيعها قبل استيفائها حلالٌ.
          قال ابن المُنْذِرِ: والحجَّة لهذا القول أنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما نهى عن بيع الطَّعام قبل قبضه خاصَّةً، فدلَّ أنَّ غير الطَّعام ليس كالطَّعام، ولو لم يكن كذلك ما كان في تخصيصه(3) الطَّعام فائدةٌ.
          وقد أجمعوا أنَّ مَنِ اشترى جاريةً فأعتقها(4) في تلك الحال قبل قبضها، أنَّ عتقه جائزٌ فكذلك(5) يجوز له بيعها قبل قبضها، وقال أبو ثَوْرٍ كقول مالكٍ.]
(6)


[1] زاد في (ز): ((على)).
[2] زاد في (ز): ((كان)).
[3] في المطبوع: ((تحصيص)).
[4] في المطبوع: ((وأعتقها)).
[5] في المطبوع: ((وكذلك)).
[6] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.