شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ذكر القين والحداد

          ░29▒ بَابُ ذِكْرِ(1) القَيْنِ(2)
          فيهِ خَبَّابٌ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا في الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ لِي عَلَى العَاصِ(3) بنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ(4) حَتَّى يُمِيتَكَ اللهُ، ثُمَّ يبْعَثَك، قَالَ(5): دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالًا وَوَلَدًا(6) فَأَقْضِيكَ، فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}(7)[مريم:77]. [خ¦2091]
          وهذا الباب كالَّذي قبله(8) أنَّ الحدَّاد لا تضرُّه مهنته في صناعته إذا كان عدلًا.
          وفيه: أنَّ الكلمة مِنَ الاستهزاء قد يتكلَّم بها المرء فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة، ألا ترى وعيد الله تعالى له على الاستهزاء(9) بقوله: {(10) سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ العَذَابِ مَدًّا. وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا(11)}[مريم:79-80]. يعني مِنَ المال والولد بعد إهلاكنا إيَّاه، {وَيَأْتِيْنَا فَرْدًا} أي نبعثه وحده تكذيبًا لظنِّه، وكان العاصُ(12) بنُ وائلٍ لا يؤمن بالبعث، فلذلك قال له خَبَّابٌ: وَاللهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوْتَ وَتُبْعَثَ(13)، ولم يرد خَبَّابٌ أنَّه إذا بعثه الله بعد الموت أن يكفر بمحمَّدٍ، لأنَّ حينئذٍ يودُّ الَّذين كفروا لو كانوا مسلمين، ويتمنَّى العاصُ بنُ وائلٍ وغيره أن لو كانوا(14) ترابًا ولم يكن كافرًا، وبعد البعث يستوي يقين المكذِّب(15) مع يقين المؤمن، ويرتفع الكفر وتزول الشُّكوك، فكان غرض خَبَّابٍ في قوله إياس العاص(16) من كفره، وذكر ابنُ الكَلْبِيِّ عن جماعةٍ في الجاهليَّة أنَّهم كانوا زنادقةً منهم: العاصُ(17) بنُ وائلٍ وعُقْبَةُ بنُ أبي مُعَيْطٍ والوليدُ بنُ المُغِيْرَةَ وأُبيُّ بنُ خَلَفٍ.
          وفيه: جواز الإغلاظ في اقتضاء الدِّين لمَنْ خالف الحقَّ، وظهر منه الظُّلم والتَّعدِّي.
          قال(18) صاحب «العين»: القَيْنُ: الحدَّاد، والتَّقيُّن: التَّزيُّن بألوان الزِّينة. وقال ابن دريدٍ: أصل القَيْنِ: الحدَّاد، ثمَّ صار كلُّ صانعٍ عند العرب قينًا، وجمعه أقيانٌ وقيونٌ، وقد قان الحديدة قينًا: ضربها بالمطرقة، وقان الشَّيء قيانةً: أصلحه، وقالت أمُّ أيمنَ: أَنَا قَيَّنْتُ عائشةَ لرَسُولِ اللهِ صلعم: أي زيِّنتها.
          وقان الله الإنسان على الشَّيء: جعله عليه قينةً، عن صاحب «الأفعال».


[1] قوله: ((ذكر)) ليس في (ز).
[2] زاد في (ز): ((والحدَّاد)).
[3] في (ز): ((العاص)).
[4] قوله: ((بمحمَّدٍ)) ليس في (ص).
[5] في (ز): ((فقال)).
[6] قوله: (({وَوَلَدًا})) ليس في (ز).
[7] قوله: (({وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا})) ليس في (ز) وبدله: ((الآية)).
[8] في (ز): ((تقدَّم)).
[9] في (ز): ((استهزائه)).
[10] زاد في (ز): (({كَلَّا})).
[11] قوله: (({وَيَأْتِيْنَا فَرْدًا})) ليس في (ز).
[12] في (ز): ((العاصي)).
[13] في (ز): ((فتبعث)).
[14] في (ز): ((كان)).
[15] زاد في (ز): ((به)).
[16] في (ز): ((العاصي)).
[17] في (ز): ((العاص)).
[18] في (ز): ((وقال)).