شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا

          ░19▒ بَابُ إِذَا بَيَّنَ البَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا
          وَيُذْكَرُ عَنِ العَدَّاءِ بنِ خَالِدٍ قَالَ(1): كَتَبَ لِيَ(2) النَّبيُّ صلعم: (هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صلعم مِنَ العَدَّاءِ بنِ خَالِدٍ، بَيْعَ المُسْلِمِ المُسْلِمَ، لا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ(3) وَلَا غَائِلَةَ).
          وقَالَ(4) قَتَادَةُ: الغَائِلَةُ: الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالإبَاقُ.
          وَقِيلَ لإبْرَاهِيمَ: إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِيْنَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ، فَيَقُولُ: جَاءَ أَمْسِ(5) مِنْ خُرَاسَانَ، جَاءَ اليَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ، فَكَرِهَهُ كَرَاهيةً(6) شَدِيدَةً.
          وَقَالَ عُقْبَةُ بنُ عَامِرٍ(7): لا يَحِلُّ لامْرِئٍ بَيْعُ(8) سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ(9).
          فيهِ حَكِيْمُ بنُ حِزَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ(10): (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا(11)، _أَوْ قَالَ: حَتَّى يَفْتَرِقَا(12)_ فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُوْرِكَ لَهُمَا في بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا). [خ¦2079]
          وترجم له: بَابُ مَا يَمْحَقُ الكَذِبُ والكِتْمَانَ فِي البَيْعِ.
          وأصل(13) هذه الباب أنَّ نصيحة المسلم للمسلم واجبةٌ، وقد كان رسول الله صلعم يأخذها في البيعة على النَّاس كما يأخذ عليهم الفرائض، قال جَرِيْرٌ: ((بَايَعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ وَالنُّصْحَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ)).
          وأمر المؤمنين بالتَّحابِّ والمؤاخاة في الله ╡ قال(14): ((لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيْهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) فحرَّم بهذا كلِّه غشَّ المؤمنين وخديعتهم، ألا ترى قول عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: ((لَا يَحِلُّ لِامرِئٍ بَيْعُ(15) سِلْعَةٍ يَعْلَمُ بِهَا دَاءً إِلَّا أَخْبَرَهُ)) وقد رواه عن النَّبيِّ صلعم ذكره ابنُ المُنْذِرِ، وذكر مثله مِنْ حديث وَاثِلَةَ بن الأَسْقَعِ عن النَّبيِّ صلعم.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: فكتمان العيوب في(16) السِّلع حرامٌ، ومَنْ فعل ذلك فهو مُتَوَّعَدٌ بمحق بركة بيعه في الدُّنيا والعذاب الأليم في الآخرة.
          وقول(17) ابنِ قُتَيْبَةَ: قوله: (لَا دَاءَ) يعني لا داء(18) في العبد مِنَ الأدواء الَّتي يُرَدُّ منها مثل الجنون والجذام والبرص والسِّلِّ والأوجاع المتقادمة.
          وقوله: (لَا غَائِلَةَ) هو مِنْ قولهم(19): اغتالني فلانٌ، إذا احتال عليك بحيلةٍ يتلف بها بعض مالك، يُقال: غاءلت فلانًا غولًا: إذا أتلفته، والمعنى لا حيلة عليك في هذا البيع يُغتال بها مالك.
          و(الخَبْثَةَ) يُريد الأخلاق الخبيثة(20) مثل الإباق والسَّرف، والعرب أيضًا تدعو الزِّنا خبثًا وخبثةً، وقال صاحب «العين»: الخبثة: الزَّنية.
          وقوله: (كَانَ بَعْضُ النَّخَّاسِيْنَ يُسَمِّي آرِيَّ) يُريد يُسَمِّي موضع الدَّابَّة في داره ومربطها خراسان وسجستان، يُريد(21) بذلك الخديعة والغرر بالمشتري منه، واختلف أهل اللُّغة في تفسير الآرِيِّ، فقال ابنُ الأَنْبَارِيِّ(22): الآرِيُّ عند العرب الآخِيَّةُ الَّتي تُحبس بها الدَّابَّة وتلزم بها موضعًا واحدًا، وهو مأخوذ مِنْ قولهم: قد تَأَرَّى الرَّجل بالمكان، إذا أقام به، قال الأَعْشَى:
لَا يَتَأَرَّى لمِاَ فِي القِدْرِ يَرْقُبُهُ
          والعامَّة(23) تُخطئ في الآرِيِّ فتظنُّ أنَّها المعلف، هذا قول ابنِ الأَنْبَارِيِّ، وقال صاحب «العين»: الآرِيُّ: المعلف، وآرتِ الدَّابَّة إلى معلفها تأري إذا ألفته.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[2] في (ص): ((إليَّ)).
[3] في (ز): ((خبيثة)).
[4] في (ز): ((قال)).
[5] في (ز): ((اليوم)).
[6] في (ز): ((كراهة)).
[7] قوله: ((ابن عامر)) ليس في (ز).
[8] في (ز): ((أن يبيع)).
[9] في (ز): ((أخبر عنه)).
[10] في (ز): ((حزامٍ. قال النَّبيُّ صلعم)).
[11] في المطبوع و(ز): ((يفترقا)).
[12] قوله: ((أو قال: حتَّى يفترقا)) ليس في (ز).
[13] في (ز): ((وأصل)).
[14] في (ز): ((وقال ◙)).
[15] في (ز): ((لامرئٍ أن يبيع)).
[16] قوله: ((في)) ليس في (ز).
[17] في (ز): ((قال)).
[18] زاد في (ص) ما صورته: ((لك)).
[19] في (ز): ((قولك)).
[20] زاد في (ز): ((الَّتي يردُّ منها)).
[21] في (ز): ((ويريد)).
[22] قوله: ((الآريِّ. فقال ابن الأنباريِّ)) ليس في (ص).
[23] في (ز): ((فالعامَّة)).