شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: كم يجوز الخيار؟

          ░42▒ بابٌ كَمْ يَجُوزُ الخِيَارُ
          فيهِ ابنُ عُمَرَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (المُتَبَايِعانِ بِالخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا(1)، أَوْ يَكُونُ البَيْعُ خِيَارًا).
          وَكَانَ ابنُ عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ. [خ¦2107]
          وفيهِ حَكِيمُ بنُ حِزَامٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا(2)). [خ¦2108]
          اختلف الفقهاء في أمد الخيار، فقالت طائفةٌ: البيع جائزٌ والشَّرط لازمٌ إلى الأمد الَّذي اشترط إليه الخيار، هذا قول ابنِ أبي ليلى والحسنِ بنِ صالحٍ وأبي يوسفَ ومُحَمَّدٍ وأحمدَ وإِسْحَاقَ وأبي ثَوْرٍ، عن ابنِ(3) المُنْذِرِ.
          وقال مالكٌ: يجوز شرط الخيار في بيع الثَّوب اليوم واليومين، والجارية الخمسة أيَّام الجمعة(4)، والدَّابَّة(5) تُركب اليوم وشبهه ويسار عليها البريد ونحوه(6)، وفي الدَّار الشَّهر لتُختبر ويُستشار فيها، وما بعد مِنْ أجل الخيار فلا خير فيه، لأنَّه غررٌ ولا فرق بين شرط الخيار للبائع والمشتري.
          وقال الثَّوْرِيُّ: يجوز شرط الخيار للمشتري عشرة أيَّامٍ وأكثر، ولا يجوز شرطه للبائع.
          وقال الأوزاعيُّ: يجوز أن يُشترط الخيار شهرًا وأكثر.
          قال(7) أبو حنيفةَ وزُفَرُ والشَّافعيُّ: الخيار في البيع ثلاثة أيَّامٍ، ولا تجوز الزِّيادة عليها، فإن زاد فسد البيع، واحتجُّوا بأنَّ حَبَّانَ بنَ مُنْقِذٍ كان يُخدع في البيوع، فقال له النَّبيُّ صلعم: ((قُلْ: لَا خِلَابَةَ)) وجعل له الخيار ثلاثًا فيما يبتاع(8)، وفي حديث / المُصَرَّاة إثبات الخيار ثلاثًا، قالوا: ولولا(9) الحديث في الثَّلاثة الأيَّام ما جاز الخيار ساعةً واحدةً.
          وحجَّة أهل المقالة الأولى ظاهر قوله صلعم: ((المُتَبَايِعَانِ بِالخَيَارِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا(10) إِلَّا بَيْعَ الخَيَارِ)) فبان بهذا أنَّ(11) الخيار على الإطلاق دون توقيت مدَّةٍ، ولم يخصَّ مِنْ بيع الخيار بشرط(12) الثَّلاث أو أكثر، فهو على ما اشترطاه(13)، وقد قال(14) صلعم: ((المُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ)).
          والحجَّة لقول مالكٍ أنَّ العبد والجارية(15) لا يُعرف أخلاقهما ولا ما هما عليه مِنَ الطَّبائع(16) في مدَّة الثَّلاث، لأنَّهما يتكلَّفان ما ليس مِنْ طبعهما في مدَّةٍ يسيرةٍ، ثمَّ يعودان بعد ذلك إلى الطَّبع، فوجب(17) أن يكون الخيار مدَّةً يُختبران في مثلها، ليكون المبتاع داخلًا على بصيرةٍ، وممَّا يدلُّ على صحَّة هذا أنَّ أجل العُنِّينَ سَنَةٌ، لأنَّ حاله يُختبر فيها، فكذلك ينبغي أن يكون كلُّ خيارٍ على حسب تعرُّف حال المختبر، ويُقال لأبي حنيفةَ والشَّافعيِّ: إنَّ خيار(18) الثَّلاث في حديث(19) حَبَّان مِنْ رواية ابن(20) إِسْحَاقَ عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ، وليس في رواية الثِّقات الحفَّاظ، وأمَّا حديث المُصَرَّاةِ فهو حُجَّةٌ لنا، لأنَّ المُصَرَّاةَ لمَّا كان(21) لا يُختبر أمرها في أقلَّ مِنْ ثلاثٍ، جُعل فيها هذا المقدار(22) الَّذي يُختبر في مثله، فوجب أن يكون الخيار في كلِّ مبيعٍ على قدر المدَّة الَّتي(23) يُختبر في مثلها(24).
          قال الطَّحَاوِيُّ: وأمَّا تفريق الثَّوْرِيِّ بين البائع والمشتري في جواز الخيار إذا شرط(25) المشتري، وإبطاله للبائع، فلم يقل به أحدٌ مِنْ أهل العلم.


[1] في (ص): ((يفترقا)).
[2] في (ز): ((يتفرَّقا)).
[3] قوله: ((ابن)) ليس في (ز).
[4] في (ز): ((والجمعة)).
[5] في (ز): ((وفي الدَّابَّة)).
[6] قوله: ((ويسار عليها البريد ونحوه)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((وقال)).
[8] في (ز): ((ابتاع)).
[9] في (ز): ((وقالوا: لولا)).
[10] في (ز): ((يتفرَّقا)).
[11] قوله: ((بهذا أنَّ)) ليس في (ز).
[12] في (ز): ((شرط)).
[13] في (ز): ((شرطاه)).
[14] زاد في (ز): ((النَّبيُّ)).
[15] في (ص): ((والدَّابَّة)).
[16] في (ز): ((الصَّنائع)).
[17] في (ز): ((فيجب)).
[18] في (ص): ((حديث)).
[19] زاد في (ز): ((ابن)).
[20] قوله: ((ابن)) ليس في (ز).
[21] في (ز): ((كانت)).
[22] في (ز): ((القدر)).
[23] في (ص): ((الَّذي)).
[24] في (ز): ((فيها)).
[25] في (ز): ((شرطه)).