شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التجارة في البحر

          ░10▒ بَابُ التِّجَارَةِ فِي البَحْرِ
          وَقَالَ مَطَرٌ: لا بَأْسَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ اللهُ في القُرْآنِ إِلَّا بِحَقٍّ ثُمَّ تَلَا: {وَتَرَى الفُلْكَ فِيْهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}[فاطر:12].
          وفيهِ(1) أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم ذَكَرَ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَرَجَ إِلَى البَحْرِ(2) فَقَضَى حَاجَتَهُ)، وسَاقَ الحَدِيثَ. [خ¦2063]
          استدلال مَطَرٌ الوَرَّاقُ مِنَ الآية حسنٌ لأنَّ الله تعالى جعل تسخيره البحر لعباده لابتغاء فضله مِنْ نعمه الَّتي عدَّدها عليهم، وأراهم في ذلك عظيم قدرته، وسخَّر الرِّياح باختلافها تحملهم وتردُّهم، وهذا مِنْ عظيم آياته وكبير سلطانه، ونبَّههم على(3) شكره عليها بقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:185]وهذا يردُّ قول مَنْ منع ركوب البحر في أبَّان ركونه، وهو قولٌ يُروى عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ☺ أنَّه كتب إلى عَمْرِو بنِ العاصِ يسأله(4) عن البحر، فقال: خلقٌ عظيمٌ يركبه خلقٌ ضعيفٌ، دودٌ على عودٍ. فكتب إليه عُمَرُ ألَّا يركبه أحدٌ طول حياته. فلمَّا كان بعد عُمَرَ لم يزل يُركب حتَّى كان عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ، فاتَّبع فيه رأي عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وقد تقدَّم هذا المعنى في كتاب الجهاد في باب ركوب البحر [خ¦2894] [خ¦2895]، وذكرت هناك قول مَنْ منع ركوبه للحجِّ، وإذا كان الله تعالى قد أباح ركوبه للتِّجارة، فركوبه للحجِّ والجهاد أجوز، ولا حجَّة لأحدٍ مع مخالفة الكتاب والسُّنَّة(5)، فأمَّا إذا كان أبَّان ارتجاجه فالأمَّة مجمعةٌ أنَّه لا يجوز ركوبه لأنَّه تعرُّضٌ للهلاك، وقد نهى الله تعالى عباده عن ذلك بقوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيْكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة:195]وبقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيْمًا}[النِّساء:29]ولم يزل البحر يُركب في قديم الزَّمان، ألا ترى ما ذُكر في هذا الحديث أنَّه رُكب في زمن بني إسرائيل، فلا وجه لقول مَنْ منع ركوبه.


[1] في (ز): ((وفيه)).
[2] قوله: ((خرج إلى البحر)) ليس في (ز).
[3] في (ز): ((عن)).
[4] في (ز): ((العاصي فسله)).
[5] زاد في (ز): ((له)).