شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب منتهى التلقي

          ░72▒ بَابُ مُنْتَهَى التَّلَقِّي
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمُ الطَّعَامَ، فَنَهَانَا النَّبيُّ صلعم أَنْ نَبِيْعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوْقُ الطَّعَامِ). [خ¦2166]
          قَالَ(1) عُبَيْدُ(2) اللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ: كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ في أَعْلَى السُّوْقِ، فَيَبِيعُونَهُ في مَكَانِهِ(3)، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللهِ(4) صلعم أَنْ يَبِيْعُوهُ في مَكَانِهِ(5) حَتَّى يَنْقُلُوهُ. [خ¦2167]
          وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَذَا في أَعْلَى السُّوْقِ، يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللهِ.
          قالَ المُهَلَّبُ(6): قول(7) البخاريِّ: هذا في أعلى السُّوق. يعني قول ابنِ عُمَرَ في الحديث الأوَّل: (كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمُ) يريد أنَّهم كانوا يتلقَّونهم في أعلى السُّوق، وذلك جائزٌ، وبيَّن ذلك عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بقوله(8): (كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ في أَعْلَى السُّوْقِ). وأنَّ ما(9) كان خارجًا عن السُّوق في الحاضرة أو قريبًا منها بحيث يجد مَنْ يسأله عن سعرها، أنَّه لا يجوز الشِّراء هنالك لأنَّه داخلٌ في معنى التَّلقِّي، وأمَّا الموضع البعيد الَّذي لا يقدر فيه على ذلك فيجوز فيه البيع، وليس بتلقٍّ(10).
          قالَ مالكٌ: وأكره أن يشتري في نواحي المصر / حتَّى يهبط به(11) السُّوق. قالَ ابنُ المُنْذِرِ: وبلغني هذا القول عن أحمدَ وإِسْحَاقَ أنَّهما نهيا عن التَّلقِّي خارج السُّوق، ورخَّصا في ذلك في أعلى السُّوق، واحتجَّا بحديث مالكٍ عن نافعٍ عن ابنِ عُمَرَ: ((أَنَّ النَّبيَّ صلعم نَهَى عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا الأَسْوَاقُ)).
          ومذاهب العلماء في حدِّ التَّلقِّي متقاربةٌ، رُوِيَ عن يحيى بن سَعِيْدٍ أنَّه(12) قال في مقدار الميل في(13) مدينةٍ(14) أو آخر منازلها: هو مِنْ تلقِّي البيوع المنهي عنه، وروى ابنُ القَاسِمِ عن مالكٍ أنَّ الميل مِنَ المدينة تلقٍّ(15). قيل له: فإن كان على ستَّة أميالٍ؟ فقال: لا بأس بالشِّراء وليس بتلقٍّ. وروى أَشْهَبُ عن مالكٍ في الصحَّافين الَّذين يخرجون إلى الأجنَّة فيشترون(16) الفاكهة قال: ذلك تلقٍّ، فقال: لا(17) بأس بالشِّراء(18) وليس ذلك(19) بتلقٍّ لأنَّهم يشترون(20) في مواضعه مِنْ غير جالبٍ.
          وقالَ ابنُ حَبِيْبٍ: لا يجوز للرَّجل في الحضر أن يشتري ما مرَّ به مِنَ السِّلع وإن كان على بابه إذا كان لها مواقفٌ في السُّوق تُباع فيها، وهو متلقٍّ إن فعل ذلك، وما لم يكن(21) لها موقفٌ وإنَّما يُطاف بها(22) فأُدخلت(23) أزقة الحاضرة، فلا بأس أن يشتري وإن لم تبلغ السُّوق.
          وقالَ اللَّيْثُ: مَنْ كان على بابه أو في طريقه، فمرَّت به سلعةٌ فاشتراها فلا بأس بذلك، والمتلقِّي عنده الخارج القاصد إليه.
          قالَ ابنُ حَبِيْبٍ: ومَنْ كان موضعه في(24) غير الحاضرة قريبًا منها أو بعيدًا لا(25) بأس أن يشتري ما مرَّ به للأكل خاصَّةً لا للبيع، رواه(26) أَشْهَبُ عن مالكٍ.


[1] في (ز): ((وقال)).
[2] في (ص): ((عبد)).
[3] في (ز): ((مكانهم)).
[4] في (ز): ((النَّبيُّ)).
[5] في (ز): ((مكانهم)).
[6] قوله: ((وَقَالَ أَبُو عَبْد اللهِ: هَذَا في أَعلى السُّوقِ، يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللهِ. قال المُهَلَّب)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((قال)).
[8] في (ز): ((عبيد الله بقوله)).
[9] قوله: ((ما)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((بتلقِّي)).
[11] في (ز): ((بها)).
[12] قوله: ((أنَّه)) ليس في (ز).
[13] في (ز): ((من)).
[14] في (ز): ((المدينة)).
[15] في المطبوع: ((تلقِّي))، وغير واضحة في (ص).
[16] في (ز): ((يشترون)).
[17] في (ص): ((قال أشهب لا)).
[18] في (ز): ((به)).
[19] قوله: ((ذلك)) ليس في (ص).
[20] في (ز): ((يشترونه)).
[21] قوله: ((يكن)) ليس في (ز).
[22] قوله: ((لها)) ليس في (ز).
[23] في (ز): ((وأدخلت)).
[24] قوله: ((في)) ليس في (ص).
[25] في (ز): ((فلا)).
[26] في (ز): ((رواها)).