شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب بيع المخاضرة

          ░93▒ [بَابُ بَيْعِ المُخَاضَرَةِ.
          فيهِ أَنَسٌ: (أنَّ النَّبيَّ صلعم نَهَى عَنِ(1) المُحَاقَلَةِ، وَالمُخَاضَرَةِ، وَالمُلاَمَسَةِ، وَالمُنَابَذَةِ(2)). [خ¦2207]
          وفيهِ أَنَسٌ أَيْضًا: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم نَهَى عَنْ بَيْعِ(3) التَّمْرِ حَتَّى تَزْهُوَ(4)، فَقُلْت لأَنَسٍ: مَا يَزْهُو(5)؟ قَالَ: تَحْمَرُّ أو تَصْفَرُّ(6) أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيْكَ؟). [خ¦2208]
          في تفسير المحاقلة ثلاثة أقوالٍ: قال(7) بعضهم: هي بيع الزَّرع في سنبله بالحنطة. وقيل: هي اكتراء الأرض بالحنطة. وقيل: هي المزارعة بالثُّلث والرُّبع ونحوه، وهذا الوجه أشبه بها(8) على طريق اللُّغة لأنَّ المحاقلة مأخوذةٌ مِنَ الحقل]
(9) /
والمفاعلة مِنِ اثنين في أمرٍ واحدٍ كالمزراعة، ويُقَالُ للأرض الَّتي تُزرع: المحاقل، كما يُقَالُ لها: المزارع، عن الزَّجَّاجِيِّ.
          والمخاضَرة هي بيع الثِّمار وهي خضرٌ لم يبدُ صلاحها، سُمِّيت بذلك مِنَ المفاعلة أيضًا لأنَّ المتبايعين تبايعا شيئًا أخضر.
          وأجمع العلماء أنَّه لا يجوز بيع الثِّمار والزَّرع والبقول قبل بدوِّ صلاحها على شرط التَّبقيَّة إلى وقت طيبها(10)، ولا يجوز بيع(11) الزَّرع أخضر إلَّا للقصيل وأكل الدَّوابِّ، وكذلك أجمعوا أنَّه يجوز بيع البقول إذا قُلعت مِنَ الأرض وانتفع بها وأحاط علمًا بها المشتري، ومِنْ بيع المخاضرة: شراؤها مُغيَّبةً في الأرض كالفجلِ [والكُرَّاثِ والبصلِ واللِّفت وشبهه، وأجاز(12) شراءها مالكٌ والأوزاعيُّ، قال مالكٌ: وذلك(13) إذا استقلَّ ورقه وأمن، والأمان عنده أن يكون ما يُقطع منها(14) ليس بفسادٍ. وقال أبو حنيفةَ: بيع المغيَّب في الأرض جائزٌ، وهو بالخيار إذا رآه، وقال(15) الشَّافعيُّ: لا يجوز بيع ما لا يُرى، وهو عنده مِنْ بيوع الغرر.
          وحجَّة مَنْ أجاز ذلك أنَّه لو قلعها ثمَّ باعها لأضرَّ ذلك به وبالنَّاس لأنَّهم إنَّما يأكلون ذلك أوَّلًا أوَّلًا، كما يأكلون الرُّطب والثَّمر ولا يقصدون بذلك الغرر، فإذا باعها على شيءٍ يراه أو صفة توصف له جاز، فمتى جاء بخلاف الصِّفة أو الرُّؤية كان له ردُّ ذلك بحصَّته، وإنَّما يجوز بيع ذلك كلَّه على التَّبقية إذا كان قد طاب للأكل، كما يجوز بيع الثَّمرة على التَّبقية إذا طابت للأكل.
          واختلفوا في بيع القثاء والبطيخ وما يأتي بطنًا بعد بطنٍ، فقال مالكٌ: يجوز بيعه إذا بدا صلاحه، ويكون للمشتري ما ينبت حتَّى ينقطع ثمره لأنَّ وقته معروفٌ عند النَّاس.
          وقال أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ: لا يجوز بيع بطنٍ منه إلَّا بعد طيبه كالبطن الأولى، وهو عندهم مِنْ بيع ما لم يخلق، وجعله مالكٌ كالثَّمرة إذا بدا صلاح أوَّلها، جاز بيع ما بدا صلاحه وما لم يبد لحاجتهم إلى ذلك، ولو منعوا منه لأضرَّ بهم لأنَّ ما تدعو إليه الضَّرورة يجوز فيه بعض الغرر، ألا ترى أنَّ الظئر تُكرى لأجل لبنها الَّذي(16) لم يخلق ولم يوجد إلَّا أوَّله، ولا يُدرى كم يشرب الصَّبي منه أوَّلًا، وكذلك(17) لو اكترى عبدًا يخدمه لكانت المنفعة الَّتي وقع عليها العقد لم تخلق، وإنَّما تحدث أوَّلًا أوَّلًا، ولو مات العبد لوقعت المحاسبة على ما حصل مِنَ المنفعة، فَجُوَّز ذلك لحاجة النَّاس إليه، فيبع ما لم يخلق، وقد جرت العادة في الأغلب إذا كان الأصل سليمًا مِنَ الآفات أن تتبايع بطونه وتتلاحق، وعدم مشاهدته لا يدلُّ على بطلان بيعه، بدليل بيع اللَّوز والجوز(18) في قشريهما(19)، وفسادُه لا يبين مِنْ خارجٍ، ولو كان مقشورًا مغطًّى بشيءٍ غير قشره لم يصحَّ بيعه.]
(20)


[1] زاد في المطبوع: ((بيع)).
[2] زاد في المطبوع: ((والمزابنة)).
[3] زاد في المطبوع: ((ثمر)).
[4] في المطبوع: ((يزهو)).
[5] قوله: ((فَقُلْت لأَنَسٍ: مَا يزهو)) ليس في (ز).
[6] في المطبوع: ((وتصفرُّ)).
[7] في المطبوع: ((فقال)).
[8] في (ز) تحتمل: ((بهما)).
[9] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطمس.
[10] في المطبوع: ((طيِّها)).
[11] قوله: ((الثَّمار والزَّرع والبقول قبل بدوِّ صلاحها على شرط التَّبقية إلى وقت طيبها، ولا يجوز بيع)) ليس في (ص).
[12] في المطبوع: ((فأجاز)).
[13] في المطبوع: ((ذلك)).
[14] في المطبوع: ((منه)).
[15] في المطبوع: ((قال)).
[16] في (ز): ((الَّتي)).
[17] في المطبوع: ((كذلك)).
[18] في المطبوع: ((الجوز واللَّوز)).
[19] في المطبوع: ((قشرهما)).
[20] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطمس.