شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه فرضي

          ░98▒ بَابٌ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ [بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: (خَرَجَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ، فَأَصَابَهُمُ المَطَرُ، فَدَخَلُوا في غَارٍ(1)، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ) الحديثَ. (فَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ(2) إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهُ فَأَبَى فَعَمَدْتُ إلى ذَلِكَ الفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَعْطِنِي حَقِّي؟ فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إلى تِلْكَ البَقَرِ وَرَاعِيهَا قَالَ(3): أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: قُلْتُ(4): مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا، فَكُشِفَ عَنْهُمْ). [خ¦2215]
          أجمع الفقهاء أنَّه لا يلزم شراء الرَّجل لغيره بغير إذنه إلَّا حتَّى يُعلمه ويرضى به فيلزمه بعد الرِّضا به إذا أحاط علمًا به، واختلف ابنُ القَاسِمِ وأَشْهَبُ في مسألةٍ مِنْ هذا الباب، إذا أودع رجلٌ رجلًا طعامًا فباعه المودع(5) بثمنٍ فرضي المودع، فقال ابنُ القَاسِمِ: له الخيار، إن شاء أخذ مثل طعامه مِنَ المودع، وإن شاء أخذ الثَّمن الَّذي باعه به.
          وقالَ أَشْهَبُ: إن رضي بذلك فلا يجوز لأنَّه طعامٌ بطعامٍ فيه خيارٌ. وهذا الحديث دليلٌ على صحَّة قول ابنِ القَاسِمِ لأنَّ فيه(6) الَّذي كان ترك الأجير: فرق ذُرَةٍ، وأنَّه زرعه له الَّذي بقي عنده حتَّى صار منه بقرٌ وراعيها، فلو كان خيار صاحب الطَّعام يحرم عليه الطَّعام ما جاز له أخذ البقر وراعيها لأنَّ أصلها كان مِنْ ذلك الفرق المزروع له بغير علمه، وقد رضي النَّبيُّ ◙ بذلك وأقرَّه، وأخبر أنَّ الَّذي انطبق عليه الغار توسَّل بذلك إلى ربِّه، ونجَّاه به، فدلَّ هذا الحديث أنَّه لم يكن أخذ الأجير للبقر وراعيها(7) لازمًا إلَّا بعد رضاه بذلك لقوله: (أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟) وإنكاره ما بذل له عوضًا مِنَ الفرق، ولذلك عظمت المثوبة في هذه القصَّة، وظهرت هذه الآية الشَّنيعة مِنْ أجل تطوُّع الزَّارع للفرق بما بذل(8) وأنَّه فعل أكثر ممَّا كان يلزمه في تأديَّة ما عليه، فشكر اللهُ له ذلك.
          وقد اختلف العلماء في الطَّعام المغصوب يزرعه الغاصب، فذكر ابنُ المُنْذِرِ أنَّ قول مالكٍ والكوفيِّين: أنَّ الزَّرع للغاصب، وعليه مثل الطَّعام الَّذي غصب، لأنَّ كلَّ مَنْ تُعدِّي على كلِّ ماله مثل، فليس عليه غير مثل الشَّيء المتعدَّى عليه، غير أنَّ الكوفيِّين قالوا: إنَّ زيادة الطَّعام حرامٌ على الغاصب لا تحلُّ له، وعليه أن يتصدَّق(9)، وقال أبو ثَوْرٍ: كلُّ ما أخرجت الأرض مِنَ الحنطة فهي(10) لصاحب الحنطة، وسيأتي اختلافهم فيمن تعدَّى على ذهبٍ أو وَرِقٍ، فتجر فيه بغير إذن صاحبه في كتاب الإجارة في باب مَنِ استأجر أجيرًا فترك الأجير أجره فعمل فيه المستأجر فزاد في حديث ابنِ عُمَرَ بعد(11) هذا إن شاء الله.
          وقوله: (يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ) قالَ صاحبُ «العين»: يُقَالُ: ضَغَا يَضْغُو ضغوًا، وأَضْغَيْتُهُ(12) وهو صوت الذَّليل.]
(13)


[1] زاد في المطبوع: ((في جبل)).
[2] قوله: ((اللَّهُمَّ)) ليس في (ز).
[3] في المطبوع: ((فقال)).
[4] في المطبوع: ((فقلت)).
[5] في (ز): ((للمودع)).
[6] زاد في المطبوع: ((أنَّ)).
[7] قوله: ((لأنَّ أصلها كان من ذلك الفرق المزروع له بغير علمه، وقد رضي النَّبيُّ ◙ بذلك وأقرَّه، وأخبر أنَّ الَّذي انطبق عليه الغار توسَّل بذلك إلى ربِّه، ونجَّاه به، فدلَّ هذا الحديث أنَّه لم يكن أخذ الأجير للبقر وراعيها)) ليس في (ز).
[8] زاد في المطبوع: ((له)).
[9] زاد في المطبوع: ((به)).
[10] في المطبوع: ((فهو)).
[11] قوله: ((بعد)) ليس في (ز).
[12] في المطبوع: ((أضغيته)).
[13] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطمس.