شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تحريم التجارة في الخمر

          [░105▒ بَابُ تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ في الخَمْرِ /
          وَقَالَ جَابِرٌ: حَرَّمَ النَّبيُّ صلعم بَيْعَ الخَمْرِ.
          وفيهِ عائشةُ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَاتُ(1) البَقَرَةِ مِنْ آخِرِهَا، خَرَجَ النَّبيُّ صلعم فَقَالَ: (حُرِّمَتِ التِّجَارَةُ في الخَمْرِ). [خ¦2226]
          الأمَّة مجمعةٌ على تحريم بيع الخمر، كما أجمعوا على تحريم شربها والانتفاع بها، واختلفوا في تخليلها، واختلف قول مالكٍ في ذلك أيضًا، فروى عنه ابنُ وَهْبٍ وابنُ القَاسِمِ: أنَّه لا يحلُّ لمسلمٍ أن يخلِّل الخمر، ولكن يهريقها، فإن صارت خلًّا بغير علاجٍ فهي حلالٌ، وهو قياس قول الشَّافعيِّ، وروى ابنُ القَاسِمِ عن مالكٍ: أنَّه إن خلَّلها جاز أكلها وبيعها، وبئس ما صنع.
          وروى عنه أَشْهَبُ: إن خلَّل النَّصرانيُّ خمرًا(2) فلا بأس بأكلها، وكذلك إن خلَّلها مسلمٌ واستغفر الله، وهو قول اللَّيْثِ.
          وأجاز الثَّوْرِيُّ والأوزاعيُّ وأبو حنيفةَ وأصحابه تخليل الخمر، ولا بأس أن يطرح فيها السَّمك والملح فيصير مريًّا إذا تحوَّلت عن حال الخمر.
          واحتجَّ الشَّافعيُّ بما روى الثَّوْرِيُّ عن السُّدِّيِّ عن أبي هريرةَ قالَ: ((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ صلعم وَفِي حِجْرِهِ يَتِيْمٌ، وَكَانَ عِنْدَهُ خَمْرٌ لَهُ حِيْنَ حُرِّمَتِ الخَمْرُ، فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، نَصْنَعُهَا خَلًّا؟ فَقَالَ: لَا. فَصَبَّهُ(3) حَتَّى سَالَ الوَادِي)).
          قَالَ الطَّحَاوِيُّ: واحتمل نهي النَّبيِّ صلعم أن تجعل خلًّا وأمره بالإراقة معانٍ أحدها: أن يكون نهيًا عن التَّخليل، ولا دلالة فيه بعد ذلك على(4) حظر ذلك الخلِّ الكائن منها، واحتمل أن يكون مراده تحريم ذلك الخلِّ، ويحتمل أن يكون أراد التَّغليظ وقطع العادة لقرب عهدهم بشرب الخمر. واحتجَّ الكوفيُّون بما روى أبو إِدْرِيْسَ الخَوْلَانِيُّ أنَّ أبا الدَّرْدَاءِ كان يأكل المريَّ الَّذي جُعِلَ فيه الخمر، ويقول: دبغته الشَّمس والملح. قالوا: وكما لا يختلف حكم جلد الميتة في دبغه بعلاج آدميٍّ وغيره، كذلك استحالة الخمر خلًّا.]
(5)


[1] زاد في المطبوع: ((سورة)).
[2] في المطبوع: ((خلَّلها النَّصارى فلا)).
[3] في المطبوع: ((فصبَّها)).
[4] قوله: ((تجعل خلًّا وأمره بالإراقة معان: أحدها: أن يكون نهيًا عن التَّخليل، ولا دلالة فيه بعد ذلك على)) ليس في (ز).
[5] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.