شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من أنظر موسرًا

          ░17▒ بَابُ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا
          فيهِ حُذَيْفَةُ: قَالَ(1) صلعم: (تَلَقَّتِ المَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ(2) مِنَ الخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنِ المُعسِرِ، قَالَ: فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ). [خ¦2077]
          وقال أبو مَالِكٍ عن رِبْعيٍّ قال(3): كنت أُيَسِّرُ على الموسر وأُنْظِرُ(4) المعسر، وتابعه شُعْبَةُ عن عبدِ الملكِ عن رِبْعِيٍّ، وقال أبو عَوَانَةَ عن عبدِ الملكِ عن رِبْعِيٍّ: أُنْظِرُ الموسر وأتجاوز عن المعسر.
          وفيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ صلعم قَالَ: (كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا، قَالَ، لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُ(5)). [خ¦2078]
          قال المُهَلَّبُ: فيه أنَّ الله يغفر الذُّنوب بأقلِّ حسنةٍ توجد / للعبد، وذلك _والله أعلم_ إذا خلصت النِّيَّة فيها لله ╡ وأن يُريد(6) بها وجهه، وابتغاء مرضاته، فهو أكرم الأكرمين، ولا يجوز أن يخيب عبده مِنْ رحمته، وقد قال في التَّنزيل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}[الحديد:11]. وروى أبو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ هذا الحديث، وزاد فيه: ((أَنَّهُ يَنْظُرُ فَلَا يَجِدُ حَسَنَةً وَلَا شَيْئًا، فَيُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا إِلَّا أَنِّي كُنْتُ إِذَا دَايَنْتُ مُعْسٍرًا تَجَاوَزْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ اللهُ: أَنْتَ مُعْسِرٌ، وَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَذَا مِنْكَ)).
          قال(7) ابنُ المُنْذِرِ: في هذا الحديث دليلٌ أنَّ المؤمن يلحقه أجر ما يأمر به مِنْ أبواب البرِّ والخير، وإن لم يتولَّ(8) ذلك بنفسه.


[1] زاد في (ز): ((النَّبيُّ)).
[2] في (ص): ((عملت)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[4] قوله: ((الموسر وأنظر)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((عنَّا فيتجاوزوا)).
[6] في (ز): ((وأريد)).
[7] في (ز): ((وقال)).
[8] زاد في (ز): ((فعل)).