شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التجارة في البر

          ░8▒ بَابُ التِّجَارَةِ فِي البَرِّ وَغِيْرِهِ
          وَقَوْلِهِ تعالى: {رِجَالٌ(1) لا تُلْهِيْهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ}[النُّور:37]
          وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ القَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ وَلَكِنَّهُمْ(2) إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللهِ.
          فيهِ البَرَاءُ وَزَيْدُ بنُ أَرْقَمَ: (كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ(3) صلعم، فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلعم عَنِ الصَّرْفِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلا يَصْلُحُ). [خ¦2060] [خ¦2061]
          وأمَّا(4) التِّجارة في البرُّ فليس في الباب ما يقتضي تعيينها مِنْ بين سائر التِّجارات، غير أنَّ قوله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ}[النُّور:37]يدخل في عمومه جميع أنواع التِّجارات مِنَ البرِّ وغيره، وهذا الحديث يدلُّ أنَّ اسم الصَّرف إنَّما يقع على بيع الوَرِق بالذَّهب، وأمَّا الذَّهب بالذَّهب، أو الوَرِق بالوَرِق فإنَّما يُسَمَّى مراطلةً ومبادلةً.
          وفيه: أنَّ الصَّرف لا يكون إلَّا يدًا بيدٍ، وفي الآية نعت تجَّار(5) سلف الأمَّة، وما كانوا عليه مِنْ مراعاة حقوق الله تعالى، والمحافظة عليها، والتزام ذكر الله في حال(6) تجارتهم، وصبرهم على أداء الفرائض وإقامتها وخوفهم سوء الحساب والسُّؤال يوم عرض(7) القيامة، ورأيت في تفسير قوله تعالى: {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ}[النُّور:37]قال: كانوا حدَّادين وخرَّازين، فكان أحدهم إذا رفع المطرقة أو غرز الإشفى فسمع الأذان لم يخرج الإشفى مِنَ الغرزة، ولم يوقع المطرقة، ورمى بها وقام(8) إلى الصَّلاة.


[1] قوله: ((رجال)) ليس في (ص).
[2] في (ز): ((ولكن)).
[3] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[4] في (ز): ((أمَّا)).
[5] في (ص): ((تجارة)).
[6] في (ز): ((خلال)).
[7] قوله: ((عرض)) ليس في (ز).
[8] في (ز): ((وقاموا)).