شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب شراء الدواب والحمير

          ░34▒ بَابُ شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالحُمُرِ(1).
          وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلًا وَهُوَ عَلَيْهِ، هَلْ(2) يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ.
          وقَالَ النَّبيُّ صلعم(3) لِعُمَرَ: (بِعْنِيهِ) يعني(4) جَمَلًا صَعْبًا.
          فيهِ جَابِرٌ: (كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ صلعم فِي غَزَاةٍ، فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وأَعْيَا(5)، فَأَتَى عَلَيَّ النَّبيُّ صلعم فَقَالَ: يَا(6) جَابِرٌ؟ فقُلْتُ(7): نَعَمْ، وَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا، فَتَخَلَّفْتُ، فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ(8) صلعم، قَالَ: أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ النَّبيُّ صلعم قَبْلِي وَقَدِمْتُ / بِالغَدَاةِ، فَجِئْنَا إِلَى المَسْجِدِ فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ المَسْجِدِ، فقَالَ: الآنَ قَدِمْتَ؟ فقُلْتُ(9): نَعَمْ، قَالَ: فَدَعْ جَمَلَكَ، فَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَزِنَ لِي(10) أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلَالٌ، فَأَرْجَحَ(11)، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ، قَالَ: ادْعُ لِي جَابِرًا، قُلْتُ: الآنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الجَمَلَ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، قَالَ: خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ). [خ¦2097]
          اختلف أهل العلم في البيع، هل القبض شرطٌ(12) في صحَّته أم لا؟ فذهب مالكٌ وأحمدُ وإِسْحَاقُ إلى أنَّ البيع يتمُّ بالقول، وليس القبض شرطًا في صحَّته، غير الصَّرف وبيع الطَّعام بالطَّعام، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى [خ¦2171].
          وقال أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ: مِنْ تمام العقد القبض، فإن تلف قبل قبض المبتاع فمِنْ مال البائع، وسيأتي حكم تلفه قبل القبض في موضعه(13) إن شاء الله [خ¦2718].
          قال ابنُ المُنْذِرِ: قد(14) وهب رسول الله صلعم الجمل لجابرٍ(15) قبل أن يقبضه، فإذا(16) جاز أن يهب المشتري الشَّيء المشترى للبائع قبل أن يقبضه جاز أن يهبه لغير البائع، وجاز بيعه، وأن يفعل فيما اشتراه ما يفعله المالك فيما ملك(17)، وليس مع مَنْ خالف هذا سُنَّةٌ يدفع بها هذه السُّنَّة الثَّابتة.
          وأمَّا قوله: (فَوَزَنَ لِي بِلَالٌ فَأَرْجَحَ) فذهب مالكٌ والكوفيُّون والشَّافعيُّ إلى أنَّ الزَّيادة في المبيع مِنَ البائع(18) والمشتري، والحطَّة(19) مِنَ الثَّمن يجوز سواءٌ قبض الثَّمن أم لا على حديث جابرٍ، وهي عندهم هبةٌ مستأنفةٌ.
          وقال ابنُ القَاسِمِ: الزِّيادة هبةٌ، فإن وجد بالمبيع عيبًا رجع بالثَّمن في الهبة(20).
          وقال أبو حنيفةَ: إن كانت الزِّيادة فاسدةً لحقت بالعقد(21) وأفسدته، وخالفه أبو يوسفَ ومُحَمَّدٌ.
          وقال الطَّحَاوِيُّ: لا تجوز الزِّيادة في البيع، وترك أصحابنا فيه القياس، وصاروا إلى حديث جابرٍ.
          وسأزيد في بيان هذه المسألة في كتاب الاستقراض وأداء الدُّيون(22) في باب استقراض الإبل إن شاء الله [خ¦2390].
          إلَّا أنَّهم اختلفوا في أحكام الهبة، فعند مالكٍ أنَّها تجوز وإن لم تُقبض، وعند الكوفيِّين والشَّافعيِّ لا تجوز حتَّى تُقبض، وهي عندهم هبةٌ، وستأتي أحكام الهبة(23) في موضعها إن شاء الله تعالى [خ¦2603] [خ¦2606].
          وقوله: (فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ) قال صاحب «العين»: المحجن عصًا فيها عقافةٌ، والحجن والحجنة: الاعوجاج، ويحجنُه بها: يصرفه، يُقال(24): حجنته عن الشَّيء: صرفته ومنعته.


[1] في (ز): ((والحمير)).
[2] في (ز): ((فلا)).
[3] في المطبوع: ((◙)).
[4] قوله: ((يعني)) ليس في (ز).
[5] في (ز): ((فأعيا)).
[6] قوله: ((يا)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((قلت)).
[8] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[9] في (ز): ((قلت)).
[10] في (ز): ((له)).
[11] زاد في (ز): ((لي)).
[12] في (ص): ((شرطًا)).
[13] زاد في (ز): ((بعد هذا)).
[14] في (ز): ((فقد)).
[15] في (ز): ((لجابرٍ الجمل)).
[16] في (ز): ((وإذا)).
[17] في (ز): ((ملك)).
[18] في (ص): ((البيع)).
[19] في المطبوع: ((والحطُّ)).
[20] في (ز): ((بالثَّمن والهبة)).
[21] في (ز): ((بالعقد)).
[22] قوله: ((وأداء الدُّيون)) ليس في (ص).
[23] زاد في (ز): ((بعد هذا)).
[24] في (ز): ((ويقال)).