شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الكيل على البائع والمعطي

          ░51▒ بَابُ الكَيْلِ عَلَى البَائِعِ وَالمُعْطِي
          وَقَوْلِهِ تَعَالَى(1): {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}[المطففين:3]كَالُوا لَهُمْ أو وَزَنُوا لَهُمْ، كَقَوْلِهِ: {يَسْمَعُونَكُمْ}[الشُّعراء:72]يَسْمَعُونَ لَكُمْ. وَقَالَ النَّبيُّ صلعم: ((اكْتَالُوا حَتَّى(2) تسْتَوْفُوا))، وَيُذْكَرُ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: ((إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ)).
          فيهِ ابنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ). [خ¦2126]
          وفيهِ جَابِرٌ: (تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بنِ حَرَامٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاسْتَعَنْتُ(3) النَّبيَّ صلعم، عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَضَعُوا مِنْ دَيْنِهِ، فَطَلَبَ النَّبيُّ صلعم إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا، فَقَالَ لِيَ النَّبيُّ صلعم: اذْهَبْ فَصَنِّفْ تَمْرَكَ أَصْنَافًا: العَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ، وَعَذْقَ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَيَّ، فَفَعَلْتُ ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبيِّ صلعم فَجَاءَ(4) فَجَلَسَ(5) عَلَى أَعْلاهُ، أَوْ فِي وَسَطِهِ، ثُمَّ قَالَ: كِلْ(6) لِلْقَوْمِ، فَكِلْتُهُمْ حَتَّى أَوْفَيْتُهُمِ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِي تَمْرِي كَأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ شَيْءٌ). [خ¦2127]
          وَقَالَ جَابِرٌ مَرَّةً: فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّاهُ.
          وَقَالَ جَابِرٌ عَنِ النَّبيِّ صلعم: (جُذَّ لَهُ فَأَوْفِ لَهُ).
          الَّذي عليه الفقهاء أنَّ الكيل والوزن فيما يُكال ويُوزن مِنَ المبيعات على البائع، ومَنْ كان عليه الكيل أو الوزن(7) فعليه أجرة ذلك، وهو قول مالكٍ وأبي حنيفةَ والثَّوْرِيِّ والشَّافعيِّ وأبي ثَوْرٍ.
          وقال الثَّوْرِيُّ: كُلُّ بيعٍ فيه كيلٌ أو وزنٌ أو عددٌ، فهو على البائع حتَّى يوفِّيه إيَّاه، فإن قال: أبيعك هذه(8) النَّخلة، فجذاذها على المشتري، قال: وكلُّ بيعٍ ليس فيه كيلٌ ولا وزنٌ ولا عددٌ فجذاذه عليه(9) ونقصه على المشتري.
          قال المُهَلَّبُ: كتاب(10) الله تعالى يشهد لقوله ◙: (إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابتَعْتَ فَاكتَلْ)، وهو قوله تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ. الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ. وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}[المطففين:1-3] / فدلَّ هذا أن يكيل له غيره(11) إذا اشترى، ويكيل لغيره إذا باع، وفي قصَّة يوسفَ ◙ أنَّ البائع عليه الكيل، قال الله تعالى عنه ◙: {أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ المُنزِلِينَ}[يوسف:59]وكذلك في قصَّة(12) جابرٍ، قال له ◙: (كِلْ للقَومِ)، وجابرٌ هو الغارم عن أبيه، وهذا هو(13) الَّذي يعطيه النَّظر، لأنَّه مَنْ باع شيئًا مسمَّى، ومقدارًا معروفًا مِنْ طعامٍ، فعليه أن يعيِّنه ويميِّزه ممَّا سواه، وكذلك مَن ابتاع إنَّما يبتاع(14) بدراهم موزونةٍ معلومةٍ يعطيها للبائع في سلعته، فعليه الوزن والانتقاء، لأنَّ عليه تعيين ما باعه مِنَ الدَّراهم بالسِّلعة، والله الموفِّق.


[1] في (ز): ((وقول الله تعالى)).
[2] في (ز): ((يعني)).
[3] في (ص): ((فاستفتيت)).
[4] قوله: ((ثُمَّ أَرْسَلْتُ إِلَى النَّبيِّ صلعم فَجَاءَ)) ليس في (ز).
[5] زاد في (ز): ((النَّبيُّ صلعم)).
[6] في (ص): ((أكل)).
[7] في (ص): ((والوزن)).
[8] قوله: ((هذه)) ليس في (ص).
[9] في (ز): ((وحمله)).
[10] في (ز): ((وكتاب)).
[11] في (ز): ((فدلَّ هذا على أن يكيل له غير)).
[12] في (ز): ((حديث)).
[13] في (ز): ((أبيه هو)).
[14] قوله: ((إنَّما يبتاع)) ليس في (ص).