شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرهن في السلم

          [░6▒ بَابُ الرَّهْنِ في السَّلَمِ
          فيهِ الأَعْمَشُ: (تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ في السَّلَمِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبيَّ صلعم اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ، وَارْتَهَنَ مِنْهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ). [خ¦2252]
          اختلف العلماء في هذا الباب، فقال مالكٌ: لا بأس بالرَّهن والكفيل في السَّلم، ولم يبلغني أنَّ أحدًا كرهه غير الحَسَنِ البصريِّ، ورخَّص فيه عَطَاءٌ والشَّعْبِيُّ، وبه قال أبو حنيفةَ والثَّوْرِيُّ وأبو يوسفَ ومُحَمَّدٌ والشَّافعيُّ.
          وكره الرُّهن والكفيل في السَّلم عليُّ بن أبي طالبٍ وسَعِيدُ بن جُبَيرٍ، وقال: ذلك الرِّبح المضمون.
          وقال زَفَرُ: لا يجوز ذلك في السَّلم، ولا سبيل له على الكفيل، وهو قول الأوزاعيِّ وأحمدَ بن حنبلٍ وأبي ثَوْرٍ.
          قال المُهَلَّبُ: وحجَّة مَنْ كرهه أنَّه إن أخذ الرَّهن في رأس المال، فرأس المال غير الدَّين، إنَّما دينه ما سلم فيه، ورأس المال مستهلكٌ في الذِّمَّة غير مطلوبٍ به، وإن أخذه بالمُسْلَم فيه، فكأنَّه اقتضاه قبل أجله، وهو مِنْ باب سلفٍ جرَّ منفعةً لأنَّه ينتفع بما يستوثق به مِنَ الرَّهن والضَّامن، وحجَّة مَنْ أجازه إجماعهم على إجازة الرَّهن والكفيل والحوالة في الدَّين المضمون مِنْ ثمن سلعةٍ قُبضت، فكذلك السَّلم، ووجه احتجاج النَّخَعِيِّ بحديث عائشةَ: أنَّه استدلَّ بأنَّ الرَّهن لمَّا جاز في السُّنَّة(1) المجمع عليها، جاز في المثمون]
(2) / وهو المُسْلَم فيه(3) وبيان ذلك أنَّه لمَّا جاز أن يشتري الرَّجل طعامًا أو عرضًا بثمنٍ إلى أجلٍ، ويرهن في الثَّمن رهنًا، كذلك يجوز إذا دفع عينًا سلمًا في عوض طعامٍ أو غيره إلى أجلٍ أن يأخذ في الشَّيء المُسْلَم فيه رهنًا، ولا فرق بينهما.


[1] في المطبوع: ((في الثَّمن بالنَّسيئة)).
[2] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.
[3] في (ز): ((وهو السَّلم)).