شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كراهية السخب في السوق

          ░50▒ بَابُ كَرَاهِيَة الصَّخَبِ في السُّوقِ
          فيهِ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ: (لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ النَّبيِّ صلعم في التَّوْرَاةِ، قَالَ: أَجَلْ، وَاللهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ في التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ في القُرْآنِ: {يَا أَيُّهَا النبيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}[الأحزاب:45]وَحِرْزًا لِلأمِّيِّينَ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ في الأَسْوَاقِ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ الله حَتَّى يُقِيمَ بِهِ(1) المِلَّةَ العَوْجَاءَ، بِأَنْ يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا). [خ¦2125]
          ابنُ سَلَّامٍ: غُلْفٌ: كلُّ شيءٍ في غلافٍ، سيفٌ أغلفُ، وقوسٌ غلفاءُ، ورجلٌ أغلفُ: إذا لم يكن مختونًا، قاله البخاريُّ في رواية السَّرخَسِيِّ.
          الصَّخب عند أهل اللُّغة: الصِّياح، قال صاحب «العين»: صخب صخبًا: إذا صاح، ذكره في حرف الصَّاد، ولم يذكره في حرف السِّين، وهو(2) في بعض نسخ البخاريِّ بالسِّين، وقال أبو حاتمٍ: ما كان مع الخاء مِنَ الحروف فيجوز كتابته بالسِّين والصَّاد.
          وفي(3) هذا الحديث مدح النَّبيِّ صلعم ببعض صفاته الشَّريفة، الَّتي خصَّه الله تعالى بها وجبله عليها.
          قال المُهَلَّبُ: قوله(4): (سَمَّيْتُكَ(5) المُتَوَكِّلَ) لقناعته باليسير مِنَ الرِّزق، واعتماده على الله ╡ بالتَّوكُّل عليه(6) في الرِّزق والنَّصر، والصَّبر على انتظار الفرج، والأخذ بمحاسن الأخلاق.
          وقوله: (وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ) أي لا يُسيء إلى مَنْ أساء إليه على سبيل المجازاة المباحة ما لم تُنتهك لله حرمةٌ، لكن يأخذ بالفضل كما قال تعالى(7): {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشُّورى:43]و(المِلَّةَ(8) العَوْجَاءَ) المعوجَّة وهي ملَّة الكفر، فأقام الله بنبيِّه ◙ عوج الكفر حتَّى ظهر دين الإسلام، ووضحت أعلامه، وأيَّد الله تعالى نبيَّه بالصَّبر والأناة، والسَّياسة لنفوس(9) العالمين، والتَّوكُّل على الله، وقد وصفه الله ╡ في آخر سورة براءة بنحو هذه الصِّفة.
          وفي هذا الحديث ذمُّ الأسواق وأهلها إذا(10) كانوا بهذه الصِّفة المذمومة مِنَ الصَّخب واللَّغط والزِّيادة في المديحة أو الذَّم لما يتبايعونه / [والأيمان الحانثة، وفي مثل هذا المعنى قال ◙: ((شَرُّ البِقَاعِ الأَسْوَاقُ)) لما يغلب على أهلها مِنْ هذه الأحوال المذمومة.](11)


[1] في (ز): ((ولن يقبضه حتَّى يقيم الله به)).
[2] في المطبوع: ((فهو))، وغير واضحة في (ص).
[3] في المطبوع: ((في)).
[4] في المطبوع: ((وقوله)).
[5] في (ص): ((قال المهلَّب: وسمَّيتك)).
[6] قوله: ((بالتَّوكُّل عليه)) ليس في (ص).
[7] في (ز): ((قال الله تعالى)).
[8] في المطبوع: ((وقوله: الملَّة)).
[9] في (ص): ((في نفوس)).
[10] في المطبوع: ((إذ))، وغير واضحة في (ص).
[11] ما بين معقوفتين غير واضح في (ص) بسبب الطَّمس.