شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب بيع العبد الزاني

          ░66▒ بَابُ بَيْعِ العَبْدِ الزَّانِي
          وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ شَاءَ رَدَّ مِنَ الزِّنَا.
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا، فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلَا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ). [خ¦2152]
          وَقَالَ مَرَّةً: إِنَّ النَّبيَّ صلعم، سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصنْ، قَالَ: (إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ). قَالَ ابنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَم(1) الرَّابِعَةِ. [خ¦2153] [خ¦2154]
          قال المُهَلَّبُ: فقه هذا الحديث الحضُّ على بيع العبد الزَّاني، والنَّدب إلى مباعدة الزَّانية.
          وقوله: (وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ) معناه المبالغة في التَّزهيد فيها، وليس هذا مِنْ وجه إضاعة المال لأنَّ أهل المعاصي مأمورون(2) بقطعهم ومنابذتهم.
          وقوله(3): (ثُمَّ إِنْ زَنَت الثَّالِثَةَ فَبِيْعُوْهَا) ولم يذكر الحدَّ اكتفاءً بما تقدَّم مِنْ تقرُّر الحدِّ ووجوبه، وقد قال تعالى(4): {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ}[النِّساء:25]يعني الجلد لأنَّ الرجم لا يتنصَّف، وإحصان الأمَة إسلامها عند مالك والكوفيين والشافعي وجماعة.
          وقوله(5): (وَلَا يُثَرِّبْ) أي لا يلومنَّ ولا يعدِّدنَّ بعد الجلد، ويُؤيِّد هذا(6) أنَّ توبة كَعْبِ بن مالكٍ ومَنْ فرَّ يوم(7) حُنَيْنٍ حين تاب الله عليهم كانت شرفًا لهم، ولم تكن لهم ملامةٌ، فبان بهذا أنَّ اللَّوم والتَّثريب لا يكون إلَّا قبل التَّوبة أو الحدِّ(8)، وأوجب أهل الظَّاهر بيع الأَمَةِ إذا زنت الرَّابعة وجُلدت، والأُمَّةُ كلُّها على خلافهم، وكفى بقولهم جهلًا خلاف الأُمَّةِ له.
          اختلف(9) العلماء في العبد إذا زنا، هل الزِّنا عيبٌ يجب الرُّد(10) به أم لا؟ فقال مالكٌ: الزِّنا عيبٌ في العبد والأَمَةِ، وهو قول أحمدَ وإِسْحَاقَ وأبي ثَوْرٍ.
          وقال الشَّافعيُّ: كلُّ ما يُنقص مِنَ الثَّمن فهو عيبٌ.
          وقال الكوفيُّون: الزِّنا في الأَمَةِ(11) عيبٌ لأنَّها(12) تُستولد، وليس بعيبٍ في الغلام، وكذلك(13) ولد الزِّنا عيبٌ يُرَدُّ به.
          وقال مالكٌ: إذا كانت الجارية ولد زنا فهو عيبٌ، وإنَّما جُعل الزِّنا عيبًا لأنَّه ربَّما بلغ الحدُّ به مبلغ تلف النُّفس، وإنَّ(14) المنايا قد تكون مِنَ القليل والكثير، وإذا صحَّ أنَّه عيبٌ وجب على البائع أن يُبيِّنه(15)، فإذا رضي به المبتاع صحَّ البيع كسائر العيوب، وإذا لم يُبيِّنه كان للمبتاع ردُّه إن شاء.
          فان قيل: فما معنى أمره ◙ ببيع الأَمَةِ الزَّانية / والَّذي يشتريها يلزمه مِن اجتنابها ومباعدتها ما يلزم البائع.
          قيل(16): إنَّ فائدة ذلك _والله أعلم_ المبالغة في تقبيح فعلها، والإعلام(17) أنَّ الأَمَةَ الزَّانية لا جزاء لها إلَّا البيع أبدًا، وأنَّها لا بقاء لها عند سيِّدٍ، وذلك زجرٌ لها عن(18) معاودة الزِّنا، وأدبٌ بالغٌ.


[1] في (ز): ((أو)).
[2] في (ز): ((مأمور)).
[3] في (ز): ((وقولهم)).
[4] في (ز): ((قال الله تعالى)).
[5] في المطبوع: ((قوله)).
[6] في (ز): ((ذلك)).
[7] قوله: ((ومن فرَّ يوم)) ليس في (ص).
[8] في (ص): ((الجلد)).
[9] في (ز): ((واختلف)).
[10] في (ز): ((ردُّه)).
[11] في (ص): ((الجارية)).
[12] زاد في (ز): ((لا)).
[13] في المطبوع: ((وذلك)).
[14] في (ز): ((فإنَّ)).
[15] في (ز): ((يبيِّن به)).
[16] في (ز): ((فالجواب)).
[17] في (ز): ((وإعلام)).
[18] في (ز): ((عند)).